تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٠٥
وتعقبه في " البحر " بأنه ليس مدلول اللفظ لأنه جعل فيه متعلق عجبه صلى الله عليه وسلم هو قولهم في إنكار البعث وجواب الشرط هو ذلك القول فيتحد الشرط والجزاء إذا تقديره إن تعجب من إنكارهم البعث فأعجب من قولهم في إنكار البعث وهو غير صحيح. ورد بأن ذلك مما اتحد فيه الشرط والجزاء صورة وتغايرا حقيقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " من كانت هجرته إلى الله تعالى ورسوله فهجرته إلى الله تعالى ورسوله " وقولهم: من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى وهو أبلغ في الكلام لأن معناه أنه أمر لا يكتنه كنهه ولا تدرك حقيقته وأنه أمر عظيم.
وذهب بعض إلى أن الخطاب في * (إن تعجب) * عام، والمعنى إن تعجب يا من نظر ما في هذه الآيات وعلم قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجبا ممن ينكر مع هذا قدرته على البعث وهو أهون شيء عليه، وقيل: المعنى إن تجدد منك التعجب لإنكارهم البعث فاستمر عليه فإن إنكارهم ذلك من الأعاجيب، وقيل: المراد إن كنت تريد أيها المريد عجبا فهلم فإن من أعجب العجب إنكارهم البعث، واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعا هذا. وفي المؤمنين. والعنكبوت. والنمل. والسجدة والواقعة. والنازعات. وبني إسرائيل في موضعين وكذا في الصافات، فقرأ نافع. والكسائي بجعل الأول استفهاما والثاني خبرا إلا في العنكبوت والنمل فعكس نافع وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت وأما في النمل فعلى أصله إلا أنه زاد نونا.
وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبرا والثاني استفهاما إلا في النمل والنازعات فعكس وزاد في النمل نونا كالكسائي وإلا في الواقعة فقرأ باستفهامين وهي قراءة باقي السبعة في هذا الباب إلا ابن كثير وحفصا فإنهما قرآ في العنكبوت بالخبر في الأول والاستفهام في الثاني وهم على أصولهم في اجتماع الهمزتين من تخفيف وتحقيق وفصل بين الهمزتين * (أول‍ائك) * مبتدأ والموصول خبره أي أولئك المنكرون للبعث ريثما عاينوا من آيات ربهم الكبرى ما يرشدهم إلى الإيمان لو كانوا يبصرون * (الذين كفروا بربهم) * وتمادوا في ذلك فإن إنكار قدرته عز وجل إنكار له سبحانه لأن الإله لا يكون عاجزا مع ما في ذلك من تكذيبه جل شأنه وتكذيب رساله المتفقون عليه عليهم السلام * (وأول‍ائك) * مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: * (الأغلال في أعناقهم) * وفيه احتمالان: الأول أن يكون المراد وصفهم بذلك في الدنيا فهو تشبيه وتمثيل لحالهم في امتناعهم عن الإيمان وعدم الالتفات إلى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال وقيود لا يمكنهم الالتفات معها كقوله: كيف الرشاد وقد خلفت في نفر * لهم عن الرشد أغلال وأقياد كأنه قيل: أولئك مقيدون بقيود الضلالة لا يرجى خلاصهم. الثاني أن يكون المراد وصفهم به في الآخرة والكلام إما باق على حقيقته كما قال سبحانه: * (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) * (غافر: 71) وروي ذلك عن الحسن قال: إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكنما جعلت في أعناقهم لكي إذا طغا بهم اللهب أرستهم في النار، وأما مخرج مخرج التشبيه لحالهم بحال من يقدم للسياسة. وقيل: المراد من الإغلال أعمالهم الفاسدة التي تقلدوها كالأغلال، وهو جار على احتمال أن يكون ذلك في الدنيا أو في الآخرة والأول ناظر إلى ما قبل والثاني إلى قوله تعالى: * (وأول‍ائك) * أي الموصوفون بما ذكر
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»