تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٠١
أولا فكيف في الثمرات وتكون واحد من كل أولا كاف في التكون والوجه ما ذكر أولا، وجوز أن يتعلق الجار - بجعل - الأول ويكون الثاني استئنافا لبيان كيفية الجعل.
وزعم بعضهم أن المراد بالزوجين على تقدير تعلق الجار بجعل السابق الشمس والقمر، وقيل: الليل. والنهار وكلا القولين ليس بشيء * (يغشى الليل النهار) * أي يلبسه ماكنه فيصير الجو مظلما بعدما كان مضيئا، ففيه إسناد ما لمكان الشيء إليه، وفي جعل الجو مكانا للنهار تجوز لأن الزمان لا مكان له والمكان إنما هو للضوء الذي هو لازمه، وجوز في الآية استعارة كقوله تعالى: * (يكور الليل على النهار) * (الزمر: 5) بجعله مغشيا للنهار ملفوفا عليه كاللباس على الملبوس، قيل: والأول أوجه وأبلغ، واكتفى بذكر تغشية الليل النهار مع تحقق عكسه للعلم به منه مع أن اللفظ يحتملهما إلا أن التغشية بمعنى الستر وهي أنسب بالليل من النهار، وعد هذا في تضاعيف الآيات السفلية وان كان تعلقه بالآيات العلوية ظاهرا باعتار ظهوره في الأرض.
وقرأ حمزة. والكسائي. وأبو بكر * (يغشى) * بالتشديد وقد تقدم تمام الكلام في ذلك * (إن في ذلك) * أي فيما ذكر من مد الأرض وجعل الرواسي عليها وإجراء الأنهار فيها وخلق الثمرات وإغشاء الليل النهار، وفي الإشارة بذلك تنبيه على عظم المشار إليه في بابه * (لآي‍ات) * باهرة قيل: هي أثار تلك الأفاعيل البديعة بذلك إلى تلك الآثار المدلول عليها بتلك الأفاعيل * (لقوم يتفكرون) * فإن التفكر فيها يؤدي إلى الحكم بأن يكون كل من ذلك على هذا النمط الرائق والأسلوب اللائق لا بد له من مكون قادر حكيم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. والفكرة كما قال الراغب قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال: إلا فيما لا يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روى تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تتكفروا في الله تعالى إذا كان الله سبحانه منزها أن يوصف بصورة.
وقال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيتها، والمشهور أنه ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول، وقد تقدم وجه جعل هذا مقطعا في الآية.
وذكر الإمام أن الأكثر في الآيات إذا ذكر فيها الدلائل الموجودة في العالم السفلى أن يجعل مقطعها * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * وما يقرب منه وسببه أن الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلى إلى الاختلافات الواقعة في الإشكالات الكوكيبة فرده الله تعالى بقوله: * (لقوم يتفكرون) * لأن من تفكر فيها علم أنه لا يجوز أن يكون حدوث تلك الحوادث من الاتصالات الفلكية فتفكر.
* (وفى الارض قطع متج‍اورات وجن‍ات من أعن‍ابوزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بمآء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الاكل إن فى ذالك لآي‍ات لقوم يعقلون * وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا ترابا أءنا لفى خلق جديد أول‍ائك الذين كفروا بربهم وأولئك الاغل‍ال فىأعن‍اقهم وأول‍ائك أصح‍ابالنار هم فيها خ‍الدون) * .
* (وفي الأرض قطع) * جملة مستأنفة مشتملة على طائفة أخرى من الآيات أي في الأرض بقاع كثيرة مختلفة في الأوصاف فمن طيبة منبتة ومن سبخة لا تنبت ومن رخوة ومن صلبة ومن صالحة للزرع لا للشجر ومن صالحة للشجرء لا للزرع إلى غير ذلك * (متج‍اورات) * أي متلاصقة والمقصود الأخبار بتفاوت أجزاء الأرض المتلاصقة على الوجه الذي علمت وهذا هو المأثور عن الأكثرين، وأخرج أبو الشيخ عن قتادة أن المعنى وفي الأرض قرى قريب بعضها من بعض، وأخرج عن
(١٠١)
مفاتيح البحث: الأكل (1)، الجهل (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»