تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٣
* (ولم يبدها) * أي يظهرها * (لهم) * لا قولا ولا فعلا صفحا لهم وحلما وهو تأكيد لما سبق * (قال) * أي في نفسه، وهو استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بالأسرار المذكور كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في تضاعيف ذلك؟ فقيل: قال: * (أنتم شر مكانا) * أي منزلة في السرق، وحاصله أنكم أثبت في الاتصاف بهذا الوصف وأقوى فيه حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البرىء، وقال الزجاج: إن الإضمار هنا على شريطة التفسير لأن: * (قال أنتم) * الخ بدل من الضمير، والمعنى فأسر يوسف في نفسه قوله: * (أنتم شر مكانا) * والتأنيث باعتبار أنه جملة أو كلمة. وتعقب ذلك أبو علي بأن الإضمار على شريطة التفسير على ضربين. أحدهما: أن يفسر بمفرد نحو نعم رجلا زيد وربه رجلا. وثانيهما: أن يفسر بجملة كقوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * (الصمد: 1) وأصل هذا أن يقع في الإبتداء ثم يدخل عليه النواسخ نحو: * (أنه من يأت ربه مجرما) * (طه: 74) * (فإنها لا تعمي الأبصار) * (الحج: 46) وليس منها - شفاء النفس مبذول - وغير ذلك، وتفسير المضمر في كلا الموضعين متصل بالجملة التي قبلها المتضمنة لذلك المضمر ومتعلق بها ولا يكون منقطعا عنها والذي ذكره الزجاج منقطع فلا يكون من الإضمار على شريطة التفسير. وفي " أنوار التنزيل " أن المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن، واعترض عليه بالمنع. وفي " الكشف " أن هذا ليس من التفسير بالجمل في شيء حتى يعترض بأنه من خواص ضمير الشأن الواجب التصدير وإنما هو نظير * (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني) * (البقرة: 132) الخ.
وتعقب بأن في تلك الآية تفسير جملة وهذه فيها تفسير ضمير بجملة. وفي " الكشاف " جعل * (أنتم شر مكانا) * هو المفسر وفيه خفاء لأن ذلك مقول القول. واستدل بعضهم بالآية على إثبات الكلام النفسي بجعل * (قال) * بدلا من - أسر - ولعل الأمر لا يتوقف على ذلك لما أشرنا إليه من أن المراد قال في نفسه، نعم قال أبو حيان: إن الظاهر أنه عليه السلام خاطبهم وواجههم به بعد أن أسر كراهية مقالتهم في نفسه وغرضه توبيخهم وتكذيبهم، ويقويه أنهم تركوا أن يشفعوا بأنفسهم وعدلوا إلى الشفاعة له بأبيه وفيه نظر. وقرأ عبد الله. وابن أبي عبلة * (فأسره) * بتذكير الضمير * (والله أعلم بما تصفون) * أي عالم علما بالغا إلى أقصى المراتب بإن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا، فصيغة أفعل لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه تعالى على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم قاله غير واحد. وقال أبو حيان: إن المعنى أعلم بما تصفون به منكم لأنه سبحانه عالم بحقائق الأمور وكيف كانت سرقة أخيه الذي أحلتم سرقته عليه فأفعل حينئذ على ظاهره. واعترض بأنه لم يكن فيهم علم والتفضيل يقتضي الشركة، وأجيب بأنه تكفي الشركة بحسب زعمهم فإنهم كانوا يدعون العلم لأنفسهم، ألا ترى قولهم: * (فقد سرق أخ له من قبل) * جزما .
* (قالوا ياأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين) * .
* (قالوا) * عندما شاهدوا مخايل أخذ بنيامين مستعطفين * (يا أيها العزيز إن له أبا له شيخا كبيرا) * طاعنا في السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالة به يتعلل عن شقيقه الهالك، وقيل: أراد مسنا كبيرا في القدر، والوصف على القولين محط الفائدة وإلا فالإخبار بأن له أبا معلوم مما سبق * (فخذ أحدنا مكانه) * بدله فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة * (إنا نراك من المحسنين) * إلينا فأتم إحسانك فما الإنعام إلا بالإتمام أو من
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»