تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٢
بالكبر فكانت لا تحب أحدا كحبها إياه حتى إذا ترعرع وقعت نفس يعقوب إليه فأتاها فقال: يا أختاه سلمي إلى يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة فقالت، والله ما أنا بتاركته فدعه عندي أياما أنظر إليه لعل ذلك يسليني، فلما خرج يعقوب عليه السلام من عندها عمدت إلى تلك المنطقة فحزمتها على يوسف عليه السلام من تحت ثيابه ثم قالت: فقدت منطقة أبي إسحق فانظروا من أخذها فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجودها مع يوسف عليه السلام فقالت: والله إنه لسلم لي أصنع فيه ما شئت فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية: " سرق يوسف عليه السلام صنما لجده أبي أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره إخوته بذلك، وأخرج غير واحد عن زيد بن أسلم قال: كان يوسف عليه السلام غلاما صغيرا مع أمه عند خال له وهو يلعب مع الغلمان فدخل كنيسة لهم فوجد تمثالا صغيرا من ذهب فأخذه وذلك الذي عنوه بسرقته. وقال مجاهد: إن سائلا جاءه يوما فأخذ بيضة فناولها إياه: وقال سفيان بن عيينة: أخذ دجاجة فأعطاها السائل. وقال وهب: كان عليه السلام يخبىء الطعام من المائدة للفقراء وقيل وقيل. وعن ابن المنير أن ذلك تصلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوة بل ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه وإليه ذهب مكي. وقال بعضهم: المعنى إن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم وذكر له نظائر في الحديث، قيل: وهو كلام حقيق بالقبول.
وأنت تعلم أن في عد كل ما قيل في بيان المراد من سرقة الأخ تصلفا تصلف فإن فيه ما لا بأس في نسبته إلى بيت النبوة، وإن ادعى أن دعوى نسبتهم السرقة إلى يوسف عليه السلام مما لا يليق نسبة مثله إليهم لأن ذلك كذب إذ لا سرقة في الحقيقة وهم أهل بيت النبوة الذين لا يكذبون جاء حديث أكله الذئب وهم غير معصومين أولا وآخرا وما قاله البعض. وقيل: إنه كلام حقيق بالقبول مما يأباه ما بعد كما لا يخفى على من له ذوق، على أن ذلك في نفسه بعيد ذوقا وأتوا بكلمة * (إن) * لعدم جزمهم بسرقته بمجرد خروج السقاية من رحله، فقد وجدوا من قبل بضاعتهم في رحالهم ولم يكونوا سارقين. وفي بعض الروايات أنهم لما رأوا إخراج السقاية من رحله خجلوا فقالوا: يا ابن راحيل كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما فعلت فقالوا: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم، فإن كان قولهم: * (إن يسرق) * الخ بعد هذه المقاولة فالظاهر أنها هي التي دعتهم * (لأن) * وأما قولهم: * (إن ابنك سرق) * فبناء على الظاهر ومدعي القوم وكذا علمهم مبني على ذلك؛ وقيل: إنهم جزموا بذلك * (وإن) * لمجرد الشرط ولعله الأولى لظاهر ما يأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه * (ويسرق) * لحكاية الحال الماضية، والمعنى إن كان سرق فليس يبدع لسبق مثله من أخيه وكأنهم أرادوا بذلك دفع المعرة عنهم واختصاصها بالشقيقين، وتنكير * (أخ) * لأن الحاضرين لا علم لهم به. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي. وابن أبي سريج عن الكسائي. والوليد بن حسان. وغيرهم * (فقد سرق) * بالتشديد مبنيا للمفعول أي نسب إلى السرقة * (فأسرها يوسف) * الضمير لما يفهم من الكلام والمقام أي أضمر الحزازة التي حصلت له عليه السلام مما قالوا، وقيل: أضمر مقالتهم أو نسبة السرقة إليه فلم يجبهم عنها * (في نفسه) * لا أنه أسرها لبعض أصحابه كما في قوله تعالى: * (وأسررت لهم أسرارا) * (نوح: 9)
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»