تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٩
عن بحث فقال: اعلم أنه قال في الإيضاح أنه قد يكون القصد إلى الابتداء دون أن يقصد انهاء مخصوص إذ كان المعنى لا يقتضي إلا بالمبتدأ منه كأعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وزيد أفضل من عمرو.
وقد قيل: إن جميع معاني * (من) * دائرة على الابتداء، والتبعيض هنا لا يظهر فيه فائدة كما في قوله: * (وهن العظم مني) * (مريم: 4) فإن كون قلب الشخص وعظمه بعضا منه معنى مكشوف غير مقصود بالإفادة فلذا جعلت للإبتداء والظرف مستقر للتفخيم كأن ميل القلب نشأ من جملته مع أن ميل جملة كل شخص من جهة قلبه كما أن سقم قلب العاشق نشأ منه مع أنه إذا صلح صلح البدن كله، وإلى هذا نحا المحققون من " شراح الكشاف " لكنه معنى غامض فتدبر، والأفئدة مفعول أول - لا جعل - وهو جمع فؤاد وفسروه على ما في " البحر ". وغيهر بالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد أي التوقد، يقال: فأدت اللحم أي شويته ولحم فئيد أي مشوي، وقيل: الأفئة هنا القطع من الناس بلغة قريش وإليه ذهب ابن بحر، والمفعول الثاني جملة * (تهوى) * وأصل الهوى الهبوط بسرعة وفي كلام بعضهم السرعة، وكان حقه أن يعدي باللام كما في قوله: حتى إذا ما هوت كف الوليد لها * طارت وفي كفه من ريشها تبك وإنما عدى بإلى لتضمينه معنى الميل كما في قوله: تهوى إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمن الجن كأنجاسها ولما كان ما تقدم كالمبادى لإجابة دعائه عليه السلام وإعطاء مسؤوله جاء بالفاء في قوله: * (فاجعل) * إلى آخره وقرأ هشام * (أفئيدة) * بياء بعد الهمزة نص عليه الحلواني عنه، وخرج ذلك على الإشباع كما في قوله: أعوذ بالله من العقراب * الشائلات عقد الأذناب ولما كان ذلك لا يكون إلا في ضرورة الشعر عند بعضهم قالوا: إن هشاما قرأ بتسهيل الهمزة كالياء فعبر عنها الراوي بالياء فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة، والمراد بياء عوضا من الهمزة. وتعقب ذلك الحافظ أبو عمرو الداني بأن النقلة عن هشام كانوا من أعلم الناس بالقراءة ووجوهها فهم أجل من أن يعتقد فيهم مثل ذلك. وقرىء * (آفدة) * على وزن ضاربة وفيه احتمالان. أحدهما: أن يكون قدمت فيه الهمزة على الفاء فاجتمع همزتان ثانيتهما: ساكنة فقبلت ألفا فوزنه أعفلة كما قيل في أدور جمع دار قلبت فيه الواو المضمومة همزة ثم قدمت وقلبت ألفا فصار آدر. وثانيهما: أنه اسم فاعل من أفد يأفد بمعنى قرب ودنا ويكون بمعنى عجل، وهو صفة لمحذوف أي جماعة أو جماعات آفدة. وقرىء * (أفدة) * بفتح الهمزة من غير مد وكسر الفاء بعدها دال، وهو أما صفة من أفد بوزن خشنة فكيون بمعنى إفدة في القراءة الأخرى أو أصله أفئدة فنقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها ثم طرحت وهو وجه مشهور عند الصرفيين والقراء.
قال الأولون: إذا تحركت الهمزة بعد ساكن صحيح تبقى أو تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف، ولا يجوز جعلها بين بين لما فيه من شبه التقاء الساكنين، وقال صاحب النشر من الآخرين: الهمزة المتحركة بعد حرف صحيح ساكن كمسؤول وأفئدة وقرآن وظمآنان فيها وجه واحد وهو النقل وحكى وجه ثان وهو بين بين وهو ضعيف جدا وكذا قال غيره منهم، فما قيل: إن الوجه إخراجها بين بين ليس بالوجه. وقرأت أم الهيثم * (أفودة) * بالواو المكسورة بدل الهمزة، قال " صاحب اللوامح ": وهو جمع وفد، والقراءة حسنة لكني لا أعرف
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»