تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٢
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) * (إبراهيم: 23) لم يذكر من يحييهم، وقد ذكروا أن منهم من يحييهم ربهم وهم أهل الصفة والقربة، ومنهم من يحييهم الملائكة وهم أهل الطاعات والدرجات، وما أطيب سلام المحبوب على محبه وما ألذه على قلبه: أشاروا بتسليم فجدنا بأنفس * تسيل من الآماق والاسم أدمع * (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) * (إبراهيم: 24، 25) إشارة كما قيل إلى كلمة التوحيد التي غرسها الحق في أرض بساتين الأرواح وجعل سبحانه أصلها هناك ثابتا بالتوفيق وفرعها في سماء القربة وسقيها من سواقي العناية وساقها المعرفة وأغصانها المحبة وأوراقها الشوق وحارسها الرعاية تؤتي أكلها في جميع الأنفاس من لطائف العبودية وعرفان أنوار الربوبية، وقال بعضهم: الكلمة الطيبة النفس الطيبة أصلها ثابت بالاطمئنان وثبات الاعتقاد بالبرهان وفرعها في سماء الروح تؤتي أكلها من ثمرات المعارف والحكم والحقائق وكل وقت بتسهيله تعالى * (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) * (إبراهيم: 26) إشارة إلى كلمة الكفر أو النفس الخبيثة، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه:
الشجرة الخبيثة الشهوات وأرضها النفوس وماؤها الأمل وأوراقها الكسل وثمارها المعاصي وغايتها النار * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * قال الصادق رضي الله تعالى عنه: يثبتهم في الحياة الدنيا على الإيمان وفي الآخرة على صدق جواب الرحمن، وجعل بعضهم القول الثابت قوله سبحانه وحكمه الأزلي أي يثبتهم على ما فيه تبجيلهم وتوقيرهم في الدارين حيث حكم بذلك في الأزل وحكمه سبحاه الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل * (ويضل الله الظالمين) * (إبراهيم: 27) في الحياتين لسوء استعدادهم * (الذين بدلوا نعمة الله) * من الهداية الأصلية والنور الفطري * (كفرا) * احتجابا وضلالا * (وأحلوا قومهم) * من تابعهم واقتدى بهم في ذلك * (دار البوار) * (إبراهيم: 28) الهلاك والحرمان * (وجعلوا لله أندادا) * من متاع الدنيا ومشتهياتها التي يحبونها كحب الله سبحانه * (ليضلوا عن سبيله) * (إبراهيم: 30) كل من نظر إلى ذلك والتفت إليه * (الله الذي خلق السموات) * أي سموات الأرواح * (والأرض) * أي أرض الأجساد * (وأنزل من السماء) * أي سماء عالم القدس * (ماء) * وهو ماء العلم * (فأخرج به) * من أرض النفس * (من الثمرات) * وهي ثمرات الحكم والفضائل * (رزقا لكم) * في تقوى القلب بها * (وسخر لكم الفلك) * أي فلك العقول * (لتجري في البحر) * أي بحر آلائه وأسرار مخلوقاته الدالة على عظمته سبحانه * (وسخر لكم الأنهار) * (إبراهيم: 32) أي أنهار العلم التي تنتهي بكم إلى ذلك البحر العظيم * (وسخر لكم الشمس) * شمس الروح * (والقمر) * قمر القلب * (دائبين) * في السير بالمكاشفة والمشاهدة * (وسخر لكم الليل) * ليل ظلمة صفات النفس * (والنهار) * (إبراهيم: 33) نهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة والاستنارة * (وآتاكم من كل ما سألتموه) * بلسان الاستعداد فإن المسؤول بذلك لا يمنع * (وإن تعدوا نعمة الله) * السابقة واللاحقة * (لا تحصوها) * لعدم تناهيها * (إن الإنسان لظلوم) * ينقص حق الله تعالى أو حق نفسه بإبطال الاستعداد أو يضع نور الاستعداد في ظلمة الطبيعة ومادة البقاء في محل الفناء * (كفار) * (إبراهيم: 34) لتلك النعم التي لا تحصى لغفلته عن المنعم عليه بها، وقيل: إن الإنسان لظلوم لنفسه حيث يظن أن شكره يقابل نعمه تعالى، كفار محجوب عن رؤية الفضل عليه بداية ونهاية، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ويكرمنا بالهداية والعناية.
* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل ه‍اذا البلد آمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام) * .
* (وإذ قال إبراهيم) * مفعول لفعل محذوف أي اذكر ذلك الوقت،
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»