تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣١
تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن يعلق به الحب يصبه وجوز أن يراد بأيام الله تعالى أيام تجليه جل جلاله بصفة الجلال وتذكيرهم بذلك ليخافوا فيمتثلوا * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * (إبراهيم: 5) أي لكل مؤمن بالإيمان الغيبي إذ الصبر والشكر على - ما قيل - مقامان للسالك قبل الوصول * (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) * (إبراهيم: 7) قال الجوزجاني: أي لئن شكرتم الإحسان لأزيدنكم المعرفة ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم القرب ولئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس، ويعم ذلك كله ما قيل: لئن شكرتم نعمة لأزيدنكم نعمة خيرا منها، وللشكر مراتب وأعلا مراتبه الإقرار بالعجز عنه. وفي بعض الآثار أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟ فأوحى الله تعالى إليه الآن شكرتني يا داود، وقال حمدون: شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا * (قالت رسلهم أفي الله شك) * أي أنه سبحانه لا شك فيه لأنه الظاهر في الآفاق والأنفس * (فاطر السموات والأرض) * موجدهما ومظهرهما من كتم العدم * (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) * ليستر بنوره سبحانه ظلمات حجب صفاتكم فلا تشكون فيه عند جلية اليقين * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * إلى غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة * (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا) * (إبراهيم: 10) منعهم ذلك عن اتباع الرسل عليهم السلام * (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) * سلموا لهم المشاركة في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة ما من الله تعالى به عليهم مما يرشحهم لذلك، وكثيرا ما يقول المنكرون في حق أجلة المشايخ مثل ما قال هؤلاء الكفرة في حق رسلهم والجواب نحو هذا الجواب * (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله) * (إبراهيم: 11) جواب عن قول أولئك: * (فأتونا بسلطان مبين) * (إبراهيم: 10) ويقال نحو ذلك للمنكرين الطالبين من الولي الكرامة تعنتا ولجاجا * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * (إبراهيم: 12) لأن الإيمان يقتضي التوكل وهو الخمود تحت الموارد، وفسره بعضهم بأنه طرح القلب في الربوبية والبدن في العبودية، فالمتوكل لا يريد إلا ما يريده الله تعالى، ومن هنا قيل: إن الكامل لا يحب إظهار الكرامة، وفي المسألة تفصيل عندهم * (وبرزوا لله جميعا) * ذكر بعضهم أن البروز متعدد فبروز عند القيامة الصغرى بموت الجسد. وبروز عند القيامة الوسطى بالموت الإرادي وهو الخروج عن حجاب صفات النفس إلى عرصة القلب. وبروز عند القيامة الكبرى وهو الخروج عن حجاب الآنية إلى فضاء الوحدة الحقيقية، وإن حدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين المشار إليه بقوله تعالى: * (فقال الضعفاء للذين استكبروا) * (إبراهيم: 21) الخ فهو بوجود المهدي القائم بالحق الفارق بين أهل الجنة والنار عند قضاء الأمر الإلهي بنجاة السعداء وهلاك الأشقياء وفسروا الشيطان بالوهم؛ وقد يفسرونه في بعض المواضع بالنفس الأمارة. والقول المقصوص عنه في الآية عند ظهور سلطان الحق، وبعضهم حمل الشيطان هنا على الشيطان المعروف عند أهل الشرع وذكر أن قوله: * (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * (إبراهيم: 22) دليل بقائه على الشرك حيث رأى الغير في البين وما ثم غير الله تعالى، وإلى هذا يشير كلام الواسطي حيث قال: من لام نفسه فقد أشرك، ويخالفه قول محمد بن حامد: النفس محل كل لائمة فمن لم يلم نفسه على الدوام ورضي عنها في حال من الأحوال فقد أهلكها، ويأباه ما صح في الحديث القدسي يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه فتأمل * (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»