تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٢١
وعن أبي علي. وجماعة أن * (يقيموا) * خبر في معنى الأمر وهو مقول القول. ورد بحذف النون وهي في مثل ذلك لا تحذف، ومنه قوله تعالى: * (هل أدلكم على تجارة تنجيكم) * إلى قوله سبحانه: * (تؤمنون) * (الصف: 10، 11) إذ المراد منه آمنوا، والقول بأنه لما كان بمعنى الأمر بني على حذف النون كما بنى الاسم التمكن في النداء على الضم في نحو يا زيد لما شبه بقبل وبعد وما لم يبن إنما لوحظ فيه لفظه مما لا يكاد يلتفت إليه، وذهب الكسائي. والزجاج. وجماعة إلى أنه مقول القول وهو مجزوم بلام أمر مقدرة أي ليقيموا وينفقوا على حد قول الأعشى: محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما خفت من أمر تبالا وأنت تعلم أن اضمار الجازم أضعف من إضمار الجار إلا أن تقدم * (قل) * نائب منابه؛ كما أن كثرة الاستعمال في أمر المخاطب ينوب مناب ذلك، والشيء إذا كثر في موضع أو تأكد الدلالة عليه جاز حذفه، منه حذف الجار من أني إذا كانت بمعنى من أين، وبما ذكرنا من النيابة فارق ما هنا ما في البيت فلا يضرنا تصريحهم فيه بكون الحذف ضرورة، وعن ابن مالك أنه جعل حذف هذه اللام على أضرب. قليل. وكثير. ومتوسط، فالكثير أن يكون قبله قول بصيغة الأمر كما في الآية، والمتوسط ما تقدمه قول غير أمر كقوله: قلت لبواب لديه دارها * تيذن فإني حمها وجارها والقليل ما سوى ذلك. وظاهر كلام الكشف اختيار هذا الوجه حيث قال المدقق فيه: والمعنى على هذا أظهر لكثرة ما يلزم من الاضمار، وان تقييد الجواب بقوله تعالى: * (من قبل أن يأتي) * إلى * (ولا خلال) * ليس فيه كثير طائل إنما المناسب تقييد الأمر به، وقال ابن عطية: ويظهر أن مقول القول * (الله الذي) * الخ ولا يخفى ما في ذلك من التفكيك، على أنه لا يصح حينئذ أن يكون * (يقيموا) * مجزوما في جواب الأمر لأن قول * (الله الذي) * الخ لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدا هذا، والمراد بالصلاة قيل ما يعم كل صلاة فرضا كانت أو تطوعا، وعن ابن عباس تفسيرها بالصلاة المفروضة وفسر الإنفاق بزكاة الأموال.
ولا يخفى عليك أن زكاة المال إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر وان هذه السورة كلها مكية عند الجمهور، والآيتين ليست هذه الآية إحداهن عند بعض، ثم إن لم يكن هذا المأمور به في الآية مأمورا به من قبل فالأمر ظاهر وإن كان مأمورا به فالأمر للدوام فتحقق ذلك ولا تغفل * (سرا وعلانية) * منتصبان على المصدرية لكن من الأمر المقدر أو من الفعل المذكور على ما ذهب إليه الكسائي ومن معه على ما قيل، والأصل إنفاق سر وإنفاق علانية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه، ويجوز أن يكون الأصل إنفاقا سرا وإنفاقا علانية فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وجوز أن يكونا منتصبين على الحالية أما على التأويل بالمشتق أو على تقدير مضاف أي مسرين ومعلنين أو ذوي سر وعلانية أو على الظرفية أي في سر وعلانية، وقد تقدم الكلام في حكم نفقة السر ونفقة العلانية * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) * فيبتاع المقصر فيه ما يتلافى به تقصيره أو يفتدي به نفسه، والمقصود - كما قال بعض المحققين - نفى عقدا لمعاوضة بالمرة، وتخصيص البيع بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقد إذ انتفاء البيع يستلزم انتفاء الشراء على أبلغ وجه وانتفاؤه ربما يتصور مع تحقق الإيجاب من البائع انتهى، وقيل: إن البيع كما يستعمل في إعطاء المثمن وأخذا الثمن وهو المعنى الشائع يستعمل في إعطاء الثمن وأخذ المثمن وهو معنى الشراء؛ وعلى هذا جاء قوله صلى الله
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»