تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٠
بآية النحل مما لا يلتفت إليه انتهى كلامه.
وفيه بحث، وقيل: إنما ختم سبحانه آية النحل بما ختم للإطناب هناك في ذكر النعم مع تقدم الدعوة إلى الشكر صريحا فكان ذلك مظنة التقصير فيه ويناسب الإطناب في سرد النعم أن يذكر منها ما يتعلق بذلك وهو الغفران والرحمة فتأمل والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (الر * كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) * فيه احتمالات عندهم فقيل: من ظلمات الكثرة إلى نور الوحدة أو من ظلمات صفات النشأة إلى نور الفطرة، أو من ظلمات حجب الأفعال والصفات إلى نور الذات، وهو المراد بقولهم: النور البحت الخالص من شوب المادة والمدة. وقال جعفر: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات البدعة إلى نور السنة، ومن ظلمات النفوس إلى نور القلوب، وقال أبو بكر بن طاهر: من ظلمات الظن إلى نور الحقيقة وقيل غير ذلك * (بإذن ربهم) * بتيسيره بهبة الاستعداد وتهيئة أسباب الخروج إلى الفعل * (إلى صراط العزيز) * الذي يقهر الظلمة بالنور * (الحميد) * (إبراهيم: 1) بكمال ذاته أو بما يهب لعباده المستعدين من الفضائل والعلوم أو من الوجود الباقي أو نحو ذلك * (وويل للكافرين) * المحجوبين * (من عذاب شديد) * (إبراهيم: 2) وهو عذاب الحرمان * (الذين يستحبون الحياة الدنيا) * الحسية والصورية * (على الآخرة) * العقلية والمعنوية * (ويصدون) * المريدين * (عن سبيل الله) * طريقه الموصل إليه سبحانه: * (ويبغونها عوجا) * (إبراهيم: 3) انحرافا مع استقامتها * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * أي بكلام يناسب حالهم واستعدادهم وقدر عقولهم والألم يفهموا فلا يحصل البيان، وعن عمر رضي الله تعالى عنه كلموا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ وفي أسرار التأويل لكل نبي وصديق اصطلاح في كلام المعرفة وطريق المحبة يخاطب به من يعرفه من أهل السلوك، وعلى هذا لا ينبغي للصوفي أن يخاطب العامة باصطلاح الصوفية لأنهم لا يعرفونه، وخطابهم بذلك مثل خطاب العربي بالعجمية أو العجمى بالعربية، ومنشأ ضلال كثير من الناس الناظرين في كتب القوم جهلهم باصطلاحاتهم فلا ينبغي للجاهل بذلك النظر فيها لأنها تأخذ بيده إلى الكفر الصريح بل توقعه في هوة كفر، كفر أبي جهل إيمان بالنسبة إليه، ومن هنا صدر الأمر السلطاني إذ كان الشرع معتنى به بالنهي عن مطالعة كتب الشيخ الأكبر قدس سره ومن انخرط في سلكه * (فيضل الله من يشاء) * إضلاله لزوال استعداده بالهيئات الظلمانية ورسوخها والاعتقادات الباطلة واستقرارها * (ويهدي من يشاء) * (إبراهيم: 4) هدايته ممن بقي على استعداده أو لم يرسخ فيه تلك الهيآت والاعتقادات * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله) * وهي أيام وصاله سبحانه حين كشف لعباده سجف الربوبية في حضرة قدسية وأدناهم إلى جنابه ومن عليهم بلذيذ من خطابه: سقيا لهم ولطيبها * ولحسنها وبهائها أيام وما أحسن ما قيل: وكانت بالعراق لنا ليال * سلبناهن من ريب الزمان جعلناهن تاريخ الليالي * وعنوان المسرة والأماني وأمره عليه السلام بتذكير ذلك لبثور غرامهم ويأخذ بهم نحو الحبيب هيامهم فقد قيل:
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»