تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٢٤
صفة - لرزقا - أن أريد به المرزوق ومفعول به إن أريد به المصدر كأنه قيل: رزقا إياكم، والباء للسببية.
ومعنى كون الإخراج بسببه أن الله تعالى أودع فيه قوة مؤثرة بإذنه في ذلك حسبما جرت به حكمته الباهرة مع غناه الذاتي سبحانه عن الاحتياج إليه في الإخراج، وهذا هو رأي السلف الذي رجع إليه الأشعري كما حقق في موضعه، وزعم من زعم أن المراد أخرج عنده والتزموا هذا التأويل في ألوف من المواضع وضللوا القائلين بأن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة مؤثرة في شيء ما حتى قالوا: إنهم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان، وأولئك عندي أقرب إلى الجنون وسفاهة الرأي. و * (الثمرات) * يراد بها ما يراد من جمع الكثرة لأن صيغ الجموع يتعاور بعضها موضع بعض أو لأنه أريد بالمفرد جماعة الثمرة التي في قولك: أكلت ثمرة بستان فلان، وقد تقدم لك ما ينفعك تذكرة في هذا المقام فتذكر * (وسخر لكم الفلك) * السفن بأن أقدركم على صنعتها واستعمالها بما ألهمكم كيفية ذلك، وقيل: بأن جعلها لا ترسب في الماء * (لتجري في البحر) * حيث توجهتم * (بأمره) * بمشيئته التي بها نيط كل شيء، وتخصيصه بالذكر على ما ذكره بعض المحققين للتنصيص على أن ذلك ليس بمزاولة الأعمال واستعمال الآلات كما يتراءى من ظاهر الحال، ويندرج في تسخير الفلك كما في البحر تسخيره وكذا تسخير الرياح * (وسخر لكم الأنهار) * جعلها معدة لانتفاعكم حيث تشربون منها وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم وما أشبه ذلك، هذا إذا أريد بالأنهار المياه العظيمة اجلارية في المجاري المخصوصة وأما إذا أريد بها نفس المجاري فتسخيرها تيسيرها لهم لتجري فيها المياه.
* (وسخر لكم الشمس والقمر دآئبين وسخر لكم اليل والنهار) * .
* (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * أي دائمين في الحركة لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا.
أخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر، والقول بجريانهما إذا غربا تحت الأرض مروى أيضا عن الحسن البصري وهو الذي يشهر له العقل السليم وللأخباريين غير ذلك، وظاهر الآية إثبات الحركة لهما أنفسهما. والفلاسفة يثبتون لهما حركتين يسمون احداهما الحركة الأولى وهي الحركة اليومية من المشرق إلى المغرب الحاصلة لهما بقسر المحدد لفلكيهما، والأخرى الحركة الثانية وهي الحركة على توالي البروج من المغرب إلى المشرق الحاصلة لهما بحركة فلكيهما حركة ذاتية، ولا يثبتون لهما حركة في ثخن الفلك على نحو حركة السمكة في الماء لصلابة الفلك وعدم قبوله الخرق أصلا عندهم.
وأثبت الشيخ الأكبر قدس سره في فتوحاته حركتهما على ذلك النحو، والفلك عنده مثل الماء والهواء.
ذكر بعض الأخباريين أنهما وسائر الكواكب معلقة بسلاسل من نور بأيدي ملائكة يسيرونها كيف شاء الله تعالى وحيث شاء سبحانه، والافلاك ساكنة عند هذا البعض، وكذا عند الشيخ قدس سره على ما يقتضيه ظاهر كلامه، والأخبار في هذا الباب ليست بحيث تسد ثغر الخصم. وذكر النسفي أنه ليس فيهما ما يعول عليه، وكلام الفلاسفة ما لم يكن فيه مصادمة لما تحقق عن املخبر الصادق صلى الله عليه وسلم مما لا بأس به، وفسر بعضهم * (دائبين) * بمجدين تعبين وهو على التشبيه والاستعارة، وأصل الدأب العادة المستمرة، ونصب الاسم على الحال، وتسخير
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»