تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٢٠
عن رأيه فإذا لم تر منه إلا الآباء والتصميم حردت عليه وقلت: أنت وشأنك فافعل ما شئت فلا تريد بهذا حقيقة الأمر ولكنك كأنك تقول: فإذ قد أبيت قبول النصيحة فأنت أهل ليقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ليتبين لك إذا فعلت صحة رأي الناصح وفساد رأيك انتهى.
قال صاحب الكشف: إن الوجهين مشتركان في إفادة التهديد لكن الاداء إلى مختلف، والأول نظير ما إذا أطاع أحد عبيدك بعض من تنقم طريقته فتقول: اطع فلانا، وهذا صحيح صدر من المنقوم أمر ومن العبد طاعة أو كان منه موافقة لبعض ما يهواه والقسم الأخير هو ما نحن فيه والثاني ظاهر انتهى.
وظاهر هذا أن التهديد على الوجهين مفهوم من صيغة الأمر، ويفهم من كلام بعض الأجلة أن ذلك على الوجه الأول من الشرطية وعلى الثاني من الأمر وما في حيز الفاء تعليل له، ولعل النظر الدقيق قاض بما أفتى به ظاهر ما في الكشف، وذكر غيرو احد أن هذا كقول الطبيب لمريض يأمره بالاحتماء فلا يحتمي: كل ما تريد فإن مصيرك إلى الموت؛ فإن المقصود - كما قال صاحب الفرائد - التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول.
وجعل الطيبي ما قرر في المثال هو المراد من قول الزمخشري ان في * (تمتعوا) * إيذانا بأنهم لانغماسهم الخ، وأنت تعلم أنه ظاهر في الوجه الثاني فافهم. والمصير مصدر صار التامة بمعنى رجع وهو اسم إن و * (إلى النار) * في موضع الخبر، ولا ينبغى أن يقال: إنه متعلق - بمصير - وهو من صار بمعنى انتقل ولذا عدى بإلى لأنه يدعو إلى القول بحذف خبر إن وحذفه في مثل هذا التركيب قليل، والكثير فيما إذا كان الاسم نكرة والخبر جار ومجرور. والحوفي جوز هذا التعلق فالخبر عنده محذوف أي فإن مصيركم إلى النار واقع أو كائن لا محالة.
ثم إنه تعالى لما هدد الكفار وأشار إلى أنهماكهم في اللذة الفانية أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر خلص عباده بالعبادة البدنية والمالية [بم فقال سبحانه:
* (قل لعبادى الذين ءامنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خل‍ال) * .
* (قل لعبادي الذين ءامنوا) * وخصهم بالإضافة إليه تعالى رفعا لهم وتشريفا وتنبيها على أنهم المقيمون لوظائف العبودية الموفون بحقوقها، وترك العطف بين الأمرين للإيذان بتباين حالهم تهديدا وغيره، ومقول القول على ما ذهب إليه المبرد. والأخفش. والمازني محذوف دل عليه * (يقيموا) * أي قال لهم: أقيموا الصلاة وأنفقوا. * (يقيموا الصلواة وينفقوا مما رزقناهم) * والفعل المذكور مجروم على أنه جواب * (قلذ عندهم. وأورد أنه لا يلزم من قوله عليه الصلاة والسلام: أقيموا وأنفقوا أن يفعلوا. ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانا بكمال مطاوعتهم يفعلوا. ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانا بكمال مطاوعتهم وغاية مسارعتهم إلى الامتثال، ويشد عضد ذلك حذف المقول لما فيه من إيهام أنهم يفعلون من غير أمر، على أن مبنى الإيراد على أنه يشترط في السببية التامة وقد منع. وجعل ابن عطية - قل - بمعنى بلغ وأد الشريعة والجزم في جواب ذلك. وهو قريب مما تقدم.
وحكى عن أبي علي. وعزى للمبرد أن الجزم في جواب الأمر المقول المحذوف، وتعقبه أبو البقاء بأنه فاسد لوجهين: الأول أن جواب الشرط لا بد أن يخالف فعل الشرط اما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما فإذا اتحدا لا يصح كقولك: قم تقم إذا التقدير هنا إن يقيموا يقيموا. والثاني أن الأمر المقدر للمواجهة والفعل المذكور على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدا. وقيل عليه: إن الوجه الأول قريب، وأما الثاني فليس بشيء لأنه يجوز أن تقول: قل لعبدك أطعني يطعك وإن كان للغيبة بعد المواجهة باعتبار حكاية الحال.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»