تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٢٢
عليه وسلم: " لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه " ولا مانع من إرادة المعنيين هنا، فإن قلنا بجواز استعمال المسترك في معنييه مطلقا كما قال به الشافعية أو في النفي كما قال به ابن الهمام فذاك وإلا احتجنا إلى ارتكاب عموم المجاز فكأنه قيل: لا معاوضة فيه * (ولا خلال) * أي مخالة فهو كما قال أبو عبيدة وغيره مصدر خاللته كالخلال، وقال الأخفش: هو جمع خليل كأخلاء وأخلة، والمراد واحد وهو نفي أن يكون هناك خليل ينتفع به بأن يشفع له أو يسامحه بما يفتدي به، ويحتمل أن يكون المعنى من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه لما لهجوا بتعاطيه من البيع والمخالة ولا انتفاع بذلك وإنما الانتفاع والارتفاق فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى، فعلى الأول المنفي البيع والخلال في الآخرة، وعلى هذا المراد نفي البيع والخلال الذين كانا في الدنيا بمعنى نفي الانتفاع بهما، و * (فيه) * ظرف للانتفاع المقدر حسبما أشرنا إليه، ولا يشكل ما هنا مع قوله تعالى: * (الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * حيث أثبت فيه المخالة وعدم العداوة بين المتقين لأن المراد هنا على ما قيل نفي المخالة النافعة بذاتها في تدارك ما فات ولم يذكر في تلك الآية أن المتقين يتدارك بعضهم لبعض ما فات.
وقيل: في التوفيق بين الآيتين: إن المراد لا مخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس وتلك المخالة الواقعة بين المتقين في الله تعالى، مع أن الاستثناء من الإثبات لا يلزمه النفي وإن سلم لزومه فنفى العداوة لا يلزم منه املخالة وهو كما ترى؛ ومثله ما قيل: إن الإثبات والنفي بحسب المواطن. والظرف على ما استظهره غير واحد متعلق بالأمر المقدر، وعلقه بالفعل المذكور من رأى رأى الكسائي ومن معه بل وبعض من رأى غير ذلك إلا أنه لا يخلو عن شيء، وتذكير اتيان ذلك اليوم على ما في إرشاد العقل السليم لتأكيد مضمون الأمر من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير معاوضة وتبرعا وانقطاع آثار البيع والخلال والواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيل الله تعالى أو من حيث أن ادخار المال وترك انفاقه إنما يقع غالبا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت. وتخصيص أمر الإنفاق بذلك التأكيد لميل النفوس إلى المال وكونها مجبولة على حبه والضنة به. وفيه أيضا أنه لا يبعد أن يكون تأكيدا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضا من حيث أن تركها كثيرا ما يكون للاشتغال بالبياعات والمخاللات كما في قوله تعالى: * (وإذا رأوا اتجارة أو لهوا انفضوا إليها) * وأنت تعلم بعده لفظا بناء على تعلق * (سرا وعلانية) * بالأمر بالإنفاق، ثم إن ما ذكر من الوجهين في الآية هو الذي ذكره بعض المحققين، واقتصر الزمخشري فيها على الوجه الثاني، وكلامه في تقريره ظاهر في أن فائدة التقييد الحث على الإنفاق حسبما بينه في الكشف، وفيه تقرير الحاصل أن قوله تعالى: * (لا بيع فيه ولا خلال) * أي لا انتفاع بهما كناية عن الانتفاع بما يقابلهما وهو ما أنفق لوجه الله تعالى فهو حث على الإنفاق لوجهه سبحانه كأنه قيل: لينفقوا له من قبل أن يأتي يوم ينتفع بانفاقهم المنفقون له ولا ينفع الندم لمن أمسك، والعدول إلى ما في النظم الجليل ليفيد الحصر وإن ذلك وحده هو المنتفع به، وليفيد المضاة بين ما ينفع عاجليا وما ينفع آجليا، وذكر في آية البقرة * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة) * أن المعنى من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع حتى تبتاعوا ما تنفقونه ولا خلة حتى يسامحكم أخلاؤكم به، وبين المدقق وجه اختصاص كل من المعنيين بموضعه مع صحة جريانهما جميعا في
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»