تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢١٩
جهنم يصلونها وإليه ذهب ابن عطية، فالمراد بالاحلال حينئذ تعريضهم للهلاك بالقتل والاسر، وأيد بما روي عطاء أن الآية نزلت في قتلى بدر، وبقراءة ابن أبي عبلة * (جهنم) * بالرفع على الابتداء، ويحتمل أن يكون * (جهنم) * على هذه القراءة خبر مبتدأ محذوف واختاره أبو حيان معللا بأن النصب على الاشتغال مرجوح من حيث أنه لم يتقدم ما يرجحه ولا ما يجعله مساويا، وجمهور القراء على النصب ولم يكونوا ليقرؤوا بغير الراجح أو المساوي، إذ زيد ضربته بالرفع أرجح من زيدا ضربته فلذلك كان ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف في تلك القراءة راجحا، وأنت تعلم أن قوله تعالى: * (قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) * (إبراهيم: 30) يرجح التفسير السابق * (وبس القرار) * على حذف المخصوص بالذم أي بئس القرار هي أن جهنم أو بئس القرار قرارهم فيها، وفيه بيان أن حلولهم وصليهم على وجه الدوام والاستمرار.
* (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) * .
* (وجعلوا) * عطف على * (أحلوا) * أو ما عطف عليه داخل معه في حيز الصلة وحكم التعجيب أي جعلوا في اعتقادهم وحكمهم * (لله) * الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء وهو الواحد القهار * (أندادا) * أمثالا في التسمية أو في العبادة، وقال الراغب: ند الشيء مشاركة في جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت فكل ند مثل وليس كل مثل ندا، وليس كل مثل ندا، ولعل المعول عليه هنا ما أشرنا إليه.
* (ليضلوا) * قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا * (عن سبيله) * القويم الذي هو التوحيد، وقيل: مقتضى ظاهر النظم الكريم أن يذكر كفرانهم نعمة الله تعالى ثم كفرانهم بذاته سبحانه باتخاذ الأنداد ثم إضلالهم لقومهم المؤدى إلى إحلالهم دار البوار، ولعل تغيير الترتيب لتثنية التعجيب وتكريره والإيذان بأن كل واحد من هذه الهنات يقضي منه العجب ولو سيق النظم على نسق الوجود لربما فهم التعجيب من الجموع، وله نظائر في الكتاب الجليل، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. ورويس عن يعقوب * (ليضلوا) * بفتح الياء، والظاهر أن اللام في القراءتين مثلها في قوله تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) وذلك أنه لما كان الاضلال أو الضلال نتيجة للجعل المذكور شبه بالغرض والعلة الباعثة فاستعمل له حرفه على سبيل الاستعارة التبعية قاله غير واحد؟ وقيل عليه: إن كون الضلال نتيجة للجعل لله سبحانه أندادا غير ظاهر إذ هو متحد معه أو لازم لا ينفك عنه إلا أن يراد الحكم به أو دوامه. ورد بأنهم مشركون لا يعتقدون أنه ضلال بل يزعمون أنه اهتداء فقد ترتب على اعتقادهم ضده، على أن المراد بالنتيجة ما يترتب على الشيء أعم من أن يكون من لوازمه أولا وفيه تأمل * (قل) * لأولئك الضلال المتعجب منهم * (تمتعوا) * بما أنتم عليه من الشهوات التي من جملتها تبديل نعمة الله تعالى كفرا واستتباع الناس في الضلال، وجعل ذلك متمتعا به تشبيها له بالمشتهيات المعروفة لتلذذهم به كتلذذهم بها، وفي التعبير بالأمر - كما قال الزمخشري إيذان بأنهم لانغماسهم بالتمتع بما هم عليه وأنهم لا يعرفون غيره ولا يريدونه مأمورون به قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه ولا يملكون لأنفسهم أمرا دونه وهو آمر الشهوة؛ وعلى هذا يكون قوله تعالى: * (فإن مصيركم إلى النصار) * جواب شرط ينسحب عليه الكلام على ما أشار إليه بقوله: والمعنى إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لآمر الشهوة فإن مصيركم إلى النار، ويجوز أن يكون الأمر مجازا عن التخلية والخذلان وأن ذلك الآمر متسخط إلى غاية، ومثاله أن ترى الرجل قد عزم على أمر وعندك ذلك الأمر خطأ وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم فتبالغ في نصحه واستنزاله
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»