هنا للتعظيم أي بينة عظيمة الشأن، والمراد بها القرآن وباعتبار ذلك أو البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله سبحانه: * (ويتلوه) * أي يتبعه * (شاهد) * عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو - كما قال الحسين بن الفضل - الإعجاز في نظمه، ومعنى كون ذلك تابعا له أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها فلا يستطيع أحد من الخلق جيلا بعد جيل معارضته ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وكذا الضمير في * (منه) * وهو متعلق بمحذوف وقع صفة لشاهد، ومعنى كونه منه أنه غير خارج عنه.
وجوز أن يكون هذا الضمير راجعا إلى الرب سبحانه، ومعنى كونه منه تعالى أنه وارد من جهته سبحانه للشهاد، وعلى هذا يجوز أن يراد بالشاهد المعجزات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها من الشواهد التابعة للقرآن الواردة من قبله عز وجل، وأمر التبعية فيها ظاهر، والمراد بالموصول كل من اتصف بتلك الكينونة من المؤمنين.
وعن أبي العالية أنه النبي عليه الصلاة والسلام ولا يخفى أن قوله سبحانه الآتي: * (أولئك) * الخ لا يلائمه إلا أن يحمل على التعظيم، وأيضا إن السياق كما ستعلم إن شاء الله تعالى للفرق بين الفريقين المؤمنين. ومن يريد الحياة الدنيا لا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وفسر أبو مسلم. وغيره البينة بالدليل العقلي، والشاهد بالقرآن وضمير * (منه) * لله تعالى، ومن ابتدائية، أو للقرآن فقد تقدم ذكره، ومن حينئذ إما بيانية. وإما تبعيضية بناءا على أن القرآن ليس كله شاهدا وليس من التجريد على ما توهم الطيبي، فيكون في الآية إشارة إلى الدليلين العقلي. والسمعي، ومعنى كون الثاني تابعا للأول على ما قيل: إنه موافق له لا يخالفه أصلا، ومن هنا قالوا: إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، ولذا أولوا الدليل السمعي إذا خالف ظاهره الدليل العقلي، ولعل في التعبير عن الأول بالبينة التي جاء إطلاقها في كلام الشارع على شاهدين، وعن الثاني بالشاهد الإيماء إلى أن الدليل العقلي أقوى دلالة من الدليل السمعي لأن دلالة الأول قطعية. ودلالة الثاني ظنية غالبا للاحتمالات الشهيرة التي لا يمكن القطع معها، وقد يقال: إن التعبير عن الثاني بالشاهد لمكان التلو.
وعن ابن عباس. ومجاهد. والنخعي. والضحاك. وعكرمة. وأبي صالح. وسعيد بن جبير أن البينة القرآن، والشاهد هو جبريل عليه السلام - ويتول - من التلاوة لا التلو، وضمير * (منه) * لله تعالى، وفي رواية عن مجاهد أن الشاهد ملك يحفظ القرآن وليس المراد الحفظ المتعارف لأنه - كما قال ابن حجر - خاص بجبريل عليه السلام، وضمير * (منه) * كما في سابقه إلا أن يتلو من التلو والضمير المنصوب للبينة، وقيل: لمن كان عليها، وعن الفراء أن الشاهد هو الإنجيل، * (ويتلوه) * وضمير * (منه) * على طرز ما روي عن مجاهد سوى أن ضمير - يتلوه - للقرآن.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن الحنفية أن الشاهد لسانه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أهل اللغة ذلك؛ وكذا الملك من معانيه، و - يتلو - حينئذ من التلاوة، والإسناد مجازي ومفعوله للبينة، وضمير * (منه) * للرسول صلى الله عليه وسلم بناءا على أنه المراد بالموصول، ومن تبعيضية، وقيل: الشاهد صورته عليه الصلاة والسلام ومخايله لأن كل عاقل يراه يعلم أنه عليه الصلاة والسلام رسول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: " ما من رجل من قريش إلا نزل