تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٠
للتعقيب مستدعية ما يعطف عليه وهو الدال عليه قوله سبحانه: * (من كان) * الآية، فالتقدير أمن كان يريد الحياة الدنيا على أنها موصولة فمن كان على بينة من ربه، والخبر محذوف لدلالة الفاء أي يعقبونهم أو يقربونهم، والاستفهام للإنكار فيفيد أن لا تقارب بين الفريقين فضلا عن التماثل فلذلك صار أبلغ من نحو قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) * وأما إنها عطف على قوله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا) * فلا وجه له لأنه يصير من عطف الجملة، ولا يدل على إنكار التماثل، ولا معنى لتقدير الاستفهام في الأول فإن الشرط والجزاء لا إنكار عليه انتهى، وهو جار على أحد مذهبين للنحاة في مثله، ويعلم مما تقرر أن الآية مرتبطة بقوله سبحانه: * (من كان) * الخ، ومساقها عند شيخ الإسلام للترغيب أيضا فيما ذكر من الإيمان بالقرآن. والتوحيد. والإسلام، وادعى الطبرسي أنها مرتبطة بقوله تعالى: * (قل فأتوا بعشر سور مثله) * (هود: 13) وأن المراد أنهم إذا لم يأتوا بذلك فقل لهم: * (أفمن كان على بينة) * ولا بينة له على ذلك.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أول‍ائك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد ه‍اؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظ‍المين) * * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * بأن نسب إليه ما لا يليق به كقولهم: الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقولهم لآلهتهم: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) والمراد من الآية ذم أولئك الكفرة بأنهم مع كفرهم بآيات الله تعالى مفترون عليه سبحانه، ويجوز أن تكون لنوع آخر من الدلالة على أن القرآن ليس بمفترى، فإن من يعلم حال من يفتري على الله سبحانه كيف يرتكبه، وأن تكون من الكلام المنصف أي لا أحد أظلم مني أن أقول لما ليس بكلام الله تعالى إنه كلامه كما زعمتم، أو منكم إن كنتم نفيتم أن يكون كلامه سبحانه مع تحقق أنه كلامه جل وعلا، وفيه من الوعيد والتهويل ما لا يخفى، ويجوز عندي إذا كان ما قبل في مؤمني أهل الكتاب أن يكون هذا في بيان حال كفرتهم الذين أسندوا إليه سبحانه ما لم ينزله من المحرف الذي صنعوه ونفوا عنه سبحانه ما أنزله من القرآن أو من نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأيا ما كان فالمراد نفي أن يكون أظلم من ذلك أو مساويا في الظلم على ما تقدم * (أول‍ائك) * أي الموصوفون بالظلم البالغ وهو الافتراء * (يعرضون) * من حيث أنهم موصوفون بذلك * (على ربهم) * أي مالكهم الحق والمتصرف فيهم حسبما يريد، وفيه على ما قيل: إيماء إلى بطلان رأيهم في اتخاذهم أربابا من دونه سبحانه وتعالى، وجعل بعضهم الكلام على تقدير المضاف أي تعرض أعمالهم، أو على ارتكاب المجاز ولا يحتاج إلى ذلك على ما أشير إليه لأن عرضهم من تلك الحيثية وبذلك العنوان عرض لأعمالهم على وجه أبلغ فإن عرض العامل بعمله أفظع من عرض عمله مع غيبته، والظاهر أنه لا حذف في قوله سبحانه: * (على ربهم) * ويفوض من يقف على الله.
وقيل: هناك مضاف محذوف أي على ملائكة ربهم وأنبياء ربهم وهم المراد بالإشهاد في قوله تعالى: * (ويقول الأشه‍اد) * وتفسيرهم بالملائكة مطلقا هو المروى عن مجاهد، وعن ابن جريج تفسيرهم بالحفظة من الملائكة عليهم السلام، وقيل: المراد بهم الملائكة. والأنبياء. والمؤمنون، وقيل: جوارحهم، وعن مقاتل. وقتادة هم جميع أهل الموقف، وهو جمع شاهد بمعنى حاضر - كصاحب. وأصحاب - بناءا - على جواز جمع فاعل على أفعال، أو جمع شهيد بمعناه كشريف وأشراف أي ويقول الحاضرون عند العرض أو في موقف القيامة * (ه‍اؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * ويحتمل أن يكون شهادة على تعيين من صدر منه الكذب كأن وقوعه
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»