أبو السعود عليه الرحمة حيث حمل البطلان على الفساد في نفسه، و * (ما كانوا يعملون) * على أعمالهم في أثناء تحصيل المطالب الدنيوية، ثم قال: ولأجل أن الأول من شأنه استتباع الثواب والأجر وأن عدمه لعدم مقارنته للإيمان والنية الصحيحة، وأن الثاني ليس له جهة صالحة قط علق بالأول الحبوط المؤذن بسقوط أجره بصيغة الفعل المنبىء عن الحدوث، وبالثاني البطلان المفصح عن كونه بحيث لا طائل تحته أصلا بالاسمية الدالة على كون ذلك وصفا لازما له ثابتا فيه، وفي زيادة - كان - في الثاني دون الأول إيماء إلى أن صدور أعمال البر منهم وإن كان لغرض فاسد ليس في الاستمرار والدوام كصدور الأعمال التي هي مقدمات مطالبهم الدنيئة انتهى.
ويحتمل عندي على بعد أن يراد - بما كانوا يعملون - هو ما استمروا عليه من إرادة الحياة الدنيا وهو غير ما صنعوه من الأعمال التي نسب إليها الحبوط وإطلاق مثل ذلك على الإرادة مما لا بأس به لأنها من أعمال القلب، ووجه الإتيان - بكان - فيه موافقته لما أشار هو إليه، وفي الجملة تصريح باستمرار بطلان تلك الإرادة وشرح حالها بعد شرح حال المريد وشرح أعماله أراد بها الحياة الدنيا وزينتها، وأيا ما كان فالظاهر أن * (باطل) * خبر مقدم و * (ما كانوا) * هو المبتدأ، وجوز في " البحر " كون * (باطل) * خبرا بعد خبر، و * (ما) * مرتفعة به على الفاعلية، وقرىء - وبطل - بصيغة الفعل أي ظهر بطلانه حيث علم هناك أن ذاك وما يستتبعه من الحظوظ الدنيوية مما لا طائل تحته أو انقطع أثره الدنيوي فبطل مطلقا، وقرأ أبي. وابن مسعود - وباطلا - بالنصب ونسب ذلك إلى عاصم وخرجه صاحب اللوامح على أن * (ما) * سيف خطيب - وباطل - مفعول - ليعلمون - وفيه تقديم معمول * (كان) * وفيه - كتقديم الخبر - خلاف، والأصح الجواز لظاهر قوله تعالى: * (أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * (سبأ: 40) ومن منع تأول، وجوز أن يكون منصوبا - بيعملون - و * (ما) * إبهامية صفة له أي باطلا أي باطل، ونظير ذلك حديث ما على قصره ولأمر ما جدع قصير أنفه، وأن يكون مصدرا بوزن فاعل، وهو منصوب بفعل مقدر، و * (ما) * اسم موصول فاعله أي بطل بطلانا الذي كانوا يعملونه، ونظيره خارجا في قول الفرزدق: ألم ترني عاهدت ربي وأنني * لبين رتاج قائما ومقام علي حلفة لا أشتم الدهر مسلما * ولا (خارجا) من في زور كلام فإنه أراد ولا يخرج من في زور كلام خروجا، وفي ذلك على ما في " البحر " إعمال المصدر الذي هو بدل من الفعل في غير الاستفهام والأمر هذا، والظاهر أن الآية في مطلق الكفرة الذين يعملون البر لا على الوجه الذي ينبغي، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وغيرهما عن أنس رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في اليهود والنصارى، ولعل المراد - كما قال ابن عطية - أنهم سبب النزول فيدخلون فيها لا أنها خاصة بهم ولا يدخل فيها غيرهم، وقال الجبائي: هي في الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله تعالى حظهم من ذلك سهمهم في الغنائم، وفيه أن ذلك إنما كان بعد الهجرة والآية مكية، وقيل: في أهل الرياء يقال لقارىء القرآن منهم: أردت أن يقال: فلان قارىء، فقد قيل: اذهب فليس لك عندنا شيء، وهكذا لغيره من المتصدق. والمقتول في الجهاد. وغيرهما ممن عمل من أعمال البر لا لوجه الله تعالى، وربما يؤيد ذلك ما روي عن معاوية حين حدثه أبو هريرة بما تضمن ذلك فبكى، وقال: صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) * إلى قوله سبحانه: * (وباطل ما كانوا يعملون) * (هود: 16) وعليه فلا بد من