تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦
بطر بالنعمة مغتر بها، وأصله فارح إلا أنه حول لما ترى للمبالغة، وفي البحر أن فعلا بكسر العين هو قياس اسم الفاعل من فعل اللازم، وقرىء * (فرح) * بضم الراء كما تقول: ندس. ونطس، وأكثر ما ورد الفرح في القرآن للذم فإذا قصد المدح قيد كقوله سبحانه: دفرحين بما آتاهم الله من فضله * (فخور) * متعاظم على الناس بما أوتي من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها، واللام في * (لئن) * في الآيات الأربع موطئة للقسم، وجوابه ساد مسد جواب الشرط كما في قوله: لئن عادلي عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذن لا أقيلها * (إلا الذين صبروا وعملوا الص‍الحات أول‍ائك لهم مغفرة وأجر كبير) * * (إلا الذين صبروا) * استثناء من الإنسان، وهو متصل إن كان أل فيه لاستغراق الجنس، وهو الذي نقله الطبرسي مخالفا لابن الخازن عن الفراء، ومنقطع إن كانت للعهد إشارة إلى الإنسان الكافر مطلقا، وعن ابن عباس أن المراد منه كافر معين وهو الوليد بن المغيرة، وقيل: هو عبد الله بن أمية المخزومي، وذكره الواحدي، وحديث الانقطاع على الروايتين متصل، ونسب غير مقيد بهما إلى الزجاج. والأخفش، وأيا ما كان فالمراد صبروا على ما أصابهم من الضراء سابقا أو لاحقا إيمانا بالله تعالى واستلام لقضائه تعالى:
* (وعملوا الص‍الح‍ات) * شكرا على نعمه سبحانه السابقة واللاحقة، قال المدقق في الكشف: لما تضمن اليأس عدم الصبر. والكفران عدم الشكر كان المستنثى من ذلك ضده ممت اتصف بالصبر والشكر فلما قيل: * (إلا الذين) * الخ كان بمنزلة إلا الذين صبروا وشكروا وذلك من صفات المؤمن، فكني بهما عنه فلذا فسره الزمخشري بقوله: إلا الذين آمنوا، فإن عادتهم إذا أتتهم رحمة أن بشكروا وإذا زالت عنهم نعمة أن يصبروا فلذا حسنت الكناية به عن الإيمان، ثم عرض بشيخه الطيبي بقوله: وأما دلالة * (صبروا) * على أن العمل الصالح شكر لأنه ورد في الأثر الإيمان نصفان: نصف صبر. ونصف شكر، ودلالة عملوا على أن الصبر إيمان لأنهما ضميمتان في الأكثر فغير مطابق لما نحن فيه إلا أن يراد وجه آخر كأنه قيل: إلا المؤمن الصالح الصابر الشاكر وهو وجه - لكن القول ما قالت حذام - لأن الكناية تفيد ذلك مع ما فيها من الحسن والمبالغة * (أولئك) * إشارة إلى الموصول باعتبا اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الحميدة * (لهم مغفرة) * عظيمة لذنوبهم ما كانت * (وأجر) * ثواب لأعمالهم الحسنة * (كبير) * وصف بذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف والأمن من العذاب ورضا الله سبحانه عنهم والنظر إلى وجهه الكريم في جنة عرضها السموات والأرض، ووجه تعلق الآيات الثلاث بما قبلهن على ما في البحر أنه تعالى لما ذكر أن عذاب الكفار وإن تأخر لا بد أن يحيق بهم ذكر ما يدل على كفرهم وكونهم مستحقين العذاب لما جبلوا عليه من كفر نعماء الله تعالى وما يترتب على إحسانه تعالى إليهم مما لا يليق بهم من البطر والفخر، قيل: وهو إشارة إلى أن الوجه تضمن الآيات تعليل الحيق ويبعده تعليله بما في حيز الصلة قبل، واختار بعضهم أنه الاشتراك في الذم فما تضمنه الآيات قبل بيان بعض هناتهم وما تضمنته هذه بيان بعض آخر.
وقال بعض المحققين: إن وجه التعلق من حيث أن إذاقة النعماء ومساس الضراء فصل من باب الابتلاء واقع موقع التفصيل من الإجمال في قوله سبحانه: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (هود: 7) والمعنى أن كلا من إذاقة النعماء ونزعها مع كونه ابتلاء للإنسان أيشكر أم يكفر لا يهتدي إلى سنن الصواب بل يحيد في كلتا الحالتين عنه إلى مهاوي الضلال
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»