تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٣١
أمر واضح غني عن الشهادة، وإنما المحتاج إليها ذلك ولذا لم يقولوا: هؤلاء كذبوا بدون الموصول، ويحتمل أن يكون ذما لهم بتلك الفعلة الشنيعة لا شهادة عليهم كما يشعر به قوله تعالى: * (ويقول) * دون ويشهد، وتوطئة لما يعقبه من قوله تعالى: * (ألا لعنة الله على الظ‍المين) * أي بالافتراء المذكور، والظاهر أن هذا من كلام الأشهاد على الاحتمالين، ويؤيده ما أخرجه الشيخان. وخلق كثير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تعالى يدني المؤمن حتى يضع كنفه عليه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار. والمنافقون فيقول: الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ".
وجوز على الاحتمال الأول أن يكون من كلام الله تعالى، وحينئذ يجوز أن يراد بالظالمين ما يعم الظالمين بالافتراء. والظالمين بغير ذلك، ويدخل فيه الأولون دخولا أوليا، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: إن الرجل ليصلي ويلعن نفسه في قراءته فيقول: ألا لعنة الله على الظالمين وهو ظالم.
وربما يجوز ذلك على الاحتمال الثاني أيضا، وأيا ما كان - فهؤلاء الذين - مبتدأ وخبر، واحتمال أن يكون * (هؤلاء) * مبتدأ، و * (الذين) * تابع له، وجملة * (ألا لعنة الله على الظالمين) * خبره، وقد أقيم الظاهر مقام المضمر أي عليهم لذمهم بمبدأ الاشتقاق مع الإشارة إلى علة الحكم كما ترى، وجملة - يقول الإشهاد - قيل: مستأنفة على أنها جواب سؤال مقدر كأن سائلا سأل إذ سمع أنهم يعرضون على ربهم ماذا يكون إذ ذاك؟ فأجيب بما ذكر، وقيل - وهو الظاهر - إنها معطوفة على جملة * (يعرضون) * على معنى أولئك يعرضون ويقول الأشهاد في حقهم، أو ويقول أشهادهم والحاضرون عند عرضهم * (هؤلاء) * الخ، وكأن هذا لبيان أنها مرتبطة في التقدير بالمبتدأ كارتباط الجملة المعطوفة هي عليها به، وقيل: كفى اسم الإشارة القائم مقام الضمير للتحقير رابطا فتدبر.
* (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاخرة هم ك‍افرون) * * (الذين يصدون) * أي كل من يقدرون على صده أو يفعلون الصد * (عن سبيل الله) * أي دينه القويم وإطلاق ذلك عليه كالصراط المستقيم مجاز * (ويبغونها عوجا) * أي يطلبون لها انحرافا، والمراد أنهم يصفونها بذلك وهي أبعد شيء عنه، وإطلاق الطلب على الوصف مجاز من إطلاق السبب على المسبب، ويجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف أي يبغون أهلها أن ينحرفوا عنها ويرتدوا، وقيل: المعنى يطلبونها على عوج ونصب * (عوجا) * على أنه مفعول به، وقيل: على أنه حال ويؤول بمعوجين * (وهم بالأخرة هم ك‍افرون) * أي والحال أنهم لا يؤمنون بالآخرة، وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به لأنه بمنزلة الفصل فيفيد الاختصاص وضربا من التأكيد، والاختصاص ادعائي مبالغة في كفرهم بالآخرة كأن كفر غيرهم بها ليس بكفر في جنبه، وقيل: إن التكرير للتأكيد وتقديم * (بالآخرة) * للتخصيص، والأولى كون تقديمه لرؤوس الآي.
* (أول‍ائك لم يكونوا معجزين فى الارض وما كان لهم من دون الله من أوليآء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * * (أول‍ائك) * الموصوفون بما يوجب التدمير * (لم يكونوا معجزين) * لله تعالى مفلتين أنفسهم من أخذه لو أراد ذلك
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»