تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٣٦
إذا عشقت وفي البحر الصبابة إفراط الشوق كأن صاحبها ينصب فيما يهوى والفعل مضمن معنى الميل أيضا ولذا عدي بإلى أي أصب مائلا إليهن (وأكن من الجاهلين 33 أي الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء أو من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه من القبائح لأن الحكيم لا يفعل القبيح فالجهل بمعنى السفاهة ضد الحكمة لا بمعنى عدم العلم ومن ذلك قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا (فاستجاب له ربه (أي أجاب له على أبلغ وجه دعاءه الذي تضمنه قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن) إلخ فإنه في قوة قوله: أصرفه عني بل أقوي منه في إستدعاء الصرف على ما علمت وفي إسناد الإستجابة إلى الرب مضافا إلى ضميره عليه السلام ما لا يخفى من إظهار اللطف وزاد حسن موقع ذلك إفتتاح كلامه عليه السلام بندائه تعالى بعنوان الربوبية (فصرف عنه كيدهن (حسب دعائه بأن ثبته على العصمة والعفة وحال بينه وبين المعصية (إنه هو السميع (لدعاء المتضرعين إليه (العليم 34 بأحوالهم وما انطوت عليه نياتهم وبما يصلحهم لا غيره سبحانه (ثم بدا لهم (أي ظهر للعزيز وأصحابه المتصدين للحل والعقد ربما إكتفوا بأمر يوسف عليه السلام بالكتمان والإعراض عن ذلك من بعد ما رأوا الآيات الصارفة لهم عن ذلك البدا وهي الشواهد الدالة على براءته عليه السلام وطهارته من قد القميص وقطع النساء أيديهن وعليهما إقتصر قتادة فيما أخرجه عنه ابن جرير وفيه إطلاق الجمع على إثنين والأمر فيه هين وعن مجاهد الإقتصار على القد فقط لأن القطع ليس من الشواهد الدالة على البراءة في شيء حينئذ للتعظيم ويحمل الجمع حينئذ على التعظيم أو أل على الجنسية وهي تبطل معنى الجمعية كذا قيل وهو كما ترى ووجه بعضهم عد القطع من الشواهد بأن حسنه عليه الصلاة والسلام الفاتن للنساء في مجلس واحد وفي أول نظرة يدل على فتنتها بالطريق الأولى وأن الطلب منها لا منه وعد بعضهم إستعصامه عليه السلام عن النسوة إذ دعونه إلى أنفسهن فإن العزيز وأصحابه قد سمعوه وتيقنوا به حتى صار كالمشاهد لهم دلالة ذلك على البراءة ظاهرة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الآيات فقال: ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات: قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين فعد رضي الله تعالى عنه الأثر من الآيات ولم يذكر فيما سبق ومن هنا قيل: يجوز أن يكون هناك آيات غير ما ذكر ترك ذكرها كما ترك ذكر كثير من معجزات الأنبياء عليهم السلام وفاعل (بدا) ضمير يعود إما للبداء مصدر الفعل المذكور أو بمعنى الرأي كما في قوله: لعلك والموعود حق لقاؤه (بدا) لك في تلك القلوص بداء وإما للسجن بالفتح المفهوم من قوله سبحانه: (ليسجننه (وجملة القسم وجوابه إما مفعول لقول مضمر وقع حالا من ضميرهم وإلى ذلك ذهب المبرد وإما مفسرة للضمير المستتر في (بدا) فلا موضع لها وقيل: إن جملة (ليسجننه) جواب لبدا لأنه من أفعال القلوب والعرب تجريها مجرى القسم وتتلقاها بما يتلقى به وزعم بعضهم أن مضمون الجملة هو فاعل (بدا) كما قالوا في قوله سبحانه: (أو لم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»