وهو على ما قال الطيبي: ما عنى بالأمر إلا العاقبة نعم صدر كلامه ظاهر فيما ذكر والأمر فيه سهل ولعل وجه الأمر بالتأمل في كلام هذا المحقق مجموع ما ذكرناه فتأمل ثم إن هذا الإخبار كما يحتمل أن يكون للرد عليهما حسبما ورد في الأثر يحتمل أن يكون تحقيقا لتعبيره وتأكيدا له ولا يشكل على الأول أنه لا داعي لجحود الشرابي لأنا نقول على تقدير كذبهما في ذلك: يحتمل أن يكون لمراعاة جانب صاحبه الخباز وجاء في بعض الآثار إن الذي جحد هو الخباز فحينئذ الأمر واضح واستدل بذلك على ما هو المشهور من أن الرؤيا تقع كما تعبر ولذا قيل: المنام على جناح طائر إذا قص وقع (وقال (أي يوسف عليه السلام ((للذي ظن أنه ناج (أوثر على صيغة المضارع مبالغة في الدلالة على تحقيق النجاة حسبما يفيد قوله: (قضي الأمر) الخ وهو السر في إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال: للذي ظنه ناجيا (منهما (أي من صاحبيه وإنما ذكر بوصف النجاة تمهيدا لمناطق التوصية بالذكر بما يدور عليه الإمتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك والظان هو يوسف عليه السلام لأصحابه وإن ذهب إليه بعض السلف لأن التوصية لا تدور على ظن الناجي بل على ظن يوسف عليه اليلام وهو بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) ونظائره ولعل التعبير به من باب إرخاء العنان والتأدب مع الله تعالى فالتعبير على هذا بالوحي كما ينبيء عنه قوله: (قضي الأمر) الخ وقيل: هو بمعناه والتعبير بالإجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضا اجتهادي واستدل به من قال: إن تعبير الرؤيا ظني لا قطعي والجار والمجرور إما في موضع الصفة لناج أو الحال من الموصول ولا يجوز أن يكون متعلقا بناج لأنه ليس المعنى عليه (اذكرني (بما أنا عليه من الحال والصفة ((عند ربك (سيدك روي أنه لما انتهى بالناجي في اليوم الثالث إلى باب السجن قال له: أوصني بحاجتك فقال عليه السلام: حاجتي أن تذكرني عند ربك وتصفني بصفتي التي شاهدتها غأنسه الشيطان (أي أنسى ذلك الناجي بوسوسته وإلقائه في قلبه أشغالا حتى يذهل عن الذكر وإلا فالإنسان حقيقة لله تعالى والفاء للسببية فإن توصيته عليه السلام المتضمنة للإستعانة بغيره سبحانه وتعالى كانت باعثة لما ذكر من إنسائه ذكر ربه (أي ذكر يوسف عليه السلام عند الملك والإضافة لأدنى ملابسة ويجوز أن تكون من إضافة المصدر إلى المفعول بتقدير مضاف أي ذكر إخبار ربه (فلبث (أي فمكث يوسف عليه السلام بسبب ذلك القول أو الإنساء في السجن بضع سنين 42 (البضع ما بين الثلاث إلى التسع كما روي عن قتادة وعن مجاهد أنه من الثلاث إلى السبع وقال أبو عبيدة: من الواحد إلى العشرة ولا يذكر على ما قال الفراء: إلا مع العشرات دون المائة والألف وهو مأخوذ من البضع بمعنى القطع والمراد به هنا في أكثر الأقاويل سبع سنين وهي مدة لبثه كلها فيما صححه البعض وسنتان منها كانت مدة لبثه بعد ذلك القول ولا يأبى ذلك فإن السببية لأن لبث هذا المجموع مسبب عما ذكر وقيل: إن هذه السبع مدة لبثه بعد ذلك القول وقد لبث قبلها خمسا فجميع المدة اثنتا عشرة سنة ويدل عليه خبر رحم الله تعالى أخي يوسف لو لم يقل: (اذكرني عند ربك) لما لبث في السجن سبعا بعد
(٢٤٧)