تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٣٥
سجنه أي حبسه وهو في القراءتين مبتدأ خبره ما بعده وقرأ (رب) بالضم و (السجن) بكسر السين والجر على الإضافة فرب حينئذ مبتدأ والخبر هو الخبر والمعنى على ما قيل: لقاء صاحب السجن أو مقاساة أمره (أحب إلي (أي آثر عندي لأن فيه مشقة قليلة نافدة إثرها راحات كثيرة أبدية (مما يدعونني إليه (من مواتاتها التي تؤدي إلى الشقاوة والعذاب الأليم وصيغة التفضيل ليست على بابها إذ ليس له عليه السلام شائبة محبة لما يدعونه إليه وإنما هو والسجن شران أهونهما وأقربهما إلى الإيثار السجن والتعبير عن الإيثار بالمحبة لحسم مادة طمعها عن المساعدة لها على مطلوبها خوفا من الحبس والإقتصار على السجن لكون الصغار من مستتبعاته على ما قيل وقيل: إكتفى عليه السلام بذكر السجن عن ذكره لوفائه بالغرض وهو قطع طعمها عن المساعدة خوفا مما توعدته لأنها تظن أن السجن أشد عليه من الصغار بناءا على زعمها أنه فتاها حقيقة وأن الفتيان لا يشق عليهم ذلك مشقة السجن ومتى كان الأشد أحب إليه مما يدعونه إليه كان غير الأشد أحب إليه من باب أولى وفيه منع ظاهر وإسناد الدعوة إليهن لأنهن خوفنه عن مخالفتها وزين له مطاوعتها فقد روي أنهن قلن له: أطع مولاتك واقض حاجتها لتأمن من عقوبتها فإنها المظلومة وأنت الظالم وروي أن كلا منهن طلبت الخلوة لنصيحته فلما خلت به دعته إلى نفسها وعن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أن كل واحدة منهن أرسلت إليه سرا تسأله الزيارة فإسناد ذلك إليهن لأنهن أيضا دعونه إلى أنفسهن صريحا أو إشارة وفي أثر ذكره القرطبي أنه عليه السلام لما قال: (رب السجن أحب إلي) إلخ أوحى الله تعالى إليه: يا يوسف أنت جنيت على نفسك ولو قلت: العافية أحب إلي عوفيت ولذلك رد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على من كان يسأل الصبر فقد روى الترمذي عن معاذ بن جبل عنه عليه الصلاة والسلام أنه سمع رجلا وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: سألت الله تعالى البلاء فاسأله العافية (وإلا تصرف (أي وإن لم تدفع (عني كيدهن (في تحبيب ذلك إلي وتحسينه لدي بأن تثبتني على ما أنا عليه من العصمة والعفة (أصب إليهن (أي أمل على قضية الطبيعة وحكم القوة الشهوية إلى إجابتهن بمواتاتها أو إلى أنفسهن وهو كناية عن مواتاتهن وهذا فزع منه عليه السلام إلى ألطاف الله تعالى جريا على سنن الأنبياء عليهم السلام والصالحين في قصر نيل الخيرات والنجاة عن الشرور على جناب الله تعالى وسلب القوى والقدر عن أنفسهم ومبالغة في إستدعاء لطفه سبحانه في صرف كيدهن بإظهار أنه لا طاقة له بالمدافعة كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكت لا أنه عليه السلام يطلب الإجبار الإلجاء إلى العصمة والعفة وفي نفسه داعية تدعوه إلى السوء كذا قرره المولى أبو السعود وهو معنى لطيف وقد أخذه من كلام الزمخشري لكن قال القطب وغيره: إنه فرار إلى الإعتزال وإشارة إلى جواب إستدلال الأشاعرة بهذه الآية على أن العبد لا ينصرف عن المعصية إلا إذا صرفه الله تعالى وقد قرر ذلك الإمام بما قرره فليراجع وليتأمل وأصل (إلا) إن لا فهي مركبة من إن الشرطية ولا النافية كما أشرنا إليه وقد أدغمت فيه النون باللام و (أصب) من صبا يصبوا وصبوة إذا مال إلى الهوى ومنه الصبا للريح المخصومة لأن النفوس تميل إليها لطيب نسيمها وروحها مضارع مجزوم على أنه جواب الشرط والجملة الشرطية عطف على قوله: (السجن أحب) وجيء بالأولى إسمية دون الثانية لأن أحبيته السجن مما يدعونه إليه كانت ثابتة مستمرة ولا كذلك الصرف المطلوب وقريء (أصب) من صبيت صبابة
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»