الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه على معنى أنكن لم تصورنه بحق صورته ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به، والإشارة بما يشار به إلى البعيد مع قرب المشار إليه وحضوره قيل: رفعا لمنزلته في الحسن واستبعادا لمحله فيه، وإشارة إلى أنه لغرابته بعيد أن يوجد مثله.
وقيل: إن يوسف عليه السلام كان في وقت اللوم غير حاضر وهو عند هذا الكلام كان حاضرا فإن جعلت الإشارة إليه بإعتبار الزمان الأول كانت على أصلها وإن لوحظ الثاني كان قريبا وكانت الإشارة بما ذكر لتنزيله لعلو منزلته منزلة البعيد واحتمال أنه عليه السلام أبعد عنهن وقت هذا الكلام لئلا يزددن دهشة وفتنة ولذا أشير إليه بذلك بعيد وجوز ابن عطية كون الإشارة إلى حب يوسف عليه السلام وضمير (فيه) عائد إليه وجعل الإشارة على هذا إلى غائب على بابها ويبعده على ما فيه (ولقد راودته عن نفسه (وهو إباحة منها ببقية سرها بعد أن أقامت عليهن الحجة وأوضحت لديهن عذرها وقد أصابهن من قبله ما أصابها أي والله لقد راودته حسبما قلتن وسمعتن (فاستعصم (قال ابن عطية: أي طلب العصمة وتمسك بها وعصاني وفي الكشاف أن الإستعصام بناءا مبالغة يدل على الإمتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو مجتهد في الإستزادة منها ونحوه إستمسك واستوسع الفتق واستجمع الرأي واستفحل الخطب أه وفي البحر والذي ذكره الصوفيون في (استعصم) أنه موافق لإعتصم وأما إستمسك واستوسع واستجمع فاستفعل فيه أيضا موافقة لإفتعل والمعنى إمتسك واتسع واجتمع وأما إستفحل فاستفعل فيه موافقة لتفعل أي تفحل نحو إستكبر وتكبر فالمعنى فإمتنع عما أرادت منه وبالإمتناع فسرت العصمة على إرادة الطلب لأنه هو معناها لغة قيل: وعنث بذلك فراره عليه السلام منها فإنه إمتنع منها أولا بالمقال ثم لما لم يفده طلب ما يمنعه منها بالفرار وليس المراد بالعصمة ما أودعه الله تعالى في بعض أنبيائه عليهم السلام مما يمنع عن الميل للمعاصي فإنه معنى عرفي لم يكن قبل بل لو كان لم يكن مرادا كما لا يخفى وتأكيد الجملة بالقسم مع أن مضمونها من مراودتها له عن نفسه مما تحدث به النسوة لإظهار إبتهاجها بذلك وقيل: إنه بإعتبار المعطوف وهو الإستعصام كأنها نظمته لقوة الداعي إلى خلافه من كونه عليه السلام في عنفوان الشباب ومزيد إختلاطه معها ومراودتها إياه مع إرتفاع الموانع فيما تظن في سلك ما ينكر ويكذب المخبر به فأكدته لذلك وهو كما ترى وفي الآية دليل على أنه عليه السلام لم يصدر منه ما سود به القصاص وجوه الطروس وليت السدي لو كان قد سد فاه عن قوله: (فاستعصم) بعد حل سراويله ثم إنها بعد أن إعترفت لهن بما سمعنه وتحدثهن به وأظهرت من إعراضه عنها واستعصامه ما أظهرت ذكرت أنها مستمرة على ما كانت عليه لا يلويها عنها لوم ولا إعراض فقالت: (ولئن لم يفعل ما ءامره (أي الذي أمره به فيما سيأتي كما لم يفعل فيما مضى فما موصولة والجملة بعدها صلة والعائد الهاء وقد حذف حرف الجر منه فاتصل بالفعل وهذا أمر شائع مع أمر كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ومفعول أمر الأول إما متروك لأن مقصودها لزوم إمتثال ما أمرت به مطلقا كما قيل وإما محذوف لدلالة (يفعل) عليه وهو ضمير يعود على يوسف أي ما آمره به