تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٠
أو من العلماء كما في قول علي كرم الله تعالى وجهه: قيمة كل امريء ما يحسنه وذلك لما سمعاه يذكر للناس ما يدل على علمه وفضله أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن قتادة قال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتد بلاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجروا إن لهذا لأجرا فقالوا: يا فتى بارك الله تعالى فيك ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وخلقك لقد بروك لنا في جوارك ما نحب أنا كنا في غير هذا منذ جئتنا لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة فمن أنت يا فتى قال: أنا يوسف بن صفي الله تعالى يعقوب بن ذبيح الله تعالى إسحاق بن خليل الله تعالى إبراهيم فقال له عامل السجن: يا فتى لو استطعت خليت سبيلك ولكن سأحسن جوارك فكن في أي بيوت السجن شئت أو (نت المحسنين) إلى أهل السجن فأحسن إلينا بكشف غمتنا إن كنت قادرا على ذلك وإلى هذا ذهب الضحاك أخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما عنه أنه سئل ما كان إحسان يوسف فقال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه وإذا ضاق عليه مكان أوسع له وإذا احتاج جمع له (قال لايأتيكما طعام ترزقانه (في الحبس حسب عادتكما المطردة (إلا نبأتكما بتأويله (استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما به بأن بينت لكما ماهيته وكيفيته وسائر أحواله (قبل أن يأتيكما (وحاصله لا يأتيكما طعام إلا أخبرتكما قبل إتيانه لإياكما بأنه يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت وإطلاق التأويل على ذلك مع أن حقيقته في المشهور تفسير الألفاظ المراد منها خلاف الظاهر ببيان المراد بطريق الإستعارة فإن ذلك يشبه تفسير المشكل أو أنه بالنسبة إلى الطعام المبهم بمنزلة التأويل بالنسبة إلى ما رؤي في المنام وشبيه له ويحسن هذه الإستعارة ما في ذلك من المشاكلة لما وقع في عبارتهما من قولهما: (نبئنا بتأويله) وكون المراد بالتأويل الأمر الآيل المآل بناءا على أنه في الأصل جعل شيء آيلا إلى شيء آخر وكما يجوز أن يراد به الثاني يجوز أن يراد به الأول ويكون المعنى إلا نبأتكما يؤول إليه من الكلام والخبر المطابق للواقع في غاية البعد بل لا يكاد يلتفت إليه كما لا يخفى على المنصف وكأنه عليه السلام أراد أن يعرض عليهما التوحيد ويزينه لهما ويقبح لهما الشرك بالله تعالى قبل أن يجيبهما عما سألاه من تعبير رؤياهما ثم يجيبهما عن ذلك وهذه طريقة على كل ذي عقل أن يسلكها مع الجهلة والفسقة إذا استفتاه واحد منهم أن يقدم الإرشاد والنصيحة أولا ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجبه عليه مما استفتى فيه ثم يفتيه ولعل ذلك كان مفترضا عليه عليه السلام فوصف نفسه أولا بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالمغيبات وجعله تخلصا لما أراد كالتخلصات المعروفة عندهم فإن الإخبار بالغيب يناسب ما سألاه من تأويل رؤياهما وأن من كان هكذا لا محالة يكون بغيره صادقا ويقوي أمر المناسبة تخصيص الطعام بالذكر من بين سائر المغيبات كما لا يخفى ويناسب ما أراده من الدعوة إلى التوحيد لأنه ثبت صدقه ونبوته وكونه من المرتضين عند الله تعالى في أقوالهم وأفعالهم وفي حكاية الله تعالى إرشاد لمن كان له قلب وقد أدمج فيه أن وصف العالم نفسه لينتفع به لا يحرم ولا يعد ذلك من التزكية المحظورة وإلى ما ذكرنا من حمل الإتيان على الإتيان في اليقظة ذهب غير واحد من الأجلة وروي عن ابن جريج وحمله بعضهم على الإتيان مناما قال السدي وابن إسحاق: إنه عليه السلام لما علم من رؤية الخباز أنه يقتل أخذ من حديث آخر تنسية لهما أمر المنام وطماعية في إيمانهما ليأخذ المقتول
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»