تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٣٤
وجوز أن يكون الضمير الموجود هو العائد على يوسف والعائد على الموصول محذوف أي به ويعتبر الحذف تدريجا لإشتراطهم في حذف العائد المجرور بالحرف كونه مجرورا بمثل ما جر به الموصول لفظا ومعنى ومتعلقا وإذا اعتبر التدريج في الحذف يكون المحذوف منصوبا وكذا يقال في أمثال ذلك وقال ابن المنير في تفسيره: إن هذا الجار مما أنس حذفه فلا يقدر العائد إلا منصوبا مفصولا كأنه قيل: أمر يوسف إياه لتعذر إتصال ضميرين من جنس واحد ويجوز أن تكون (ما) مصدرية فالضمير المذكور ليوسف أي لئن لم يفعل أمري إياه ومعنى فعل الأمر فعل موجبه ومقتضاه فهو إما على الإسناد المجازي أو تقدير المضاف وعبرت عن مراودتها بالأمر إظهار لجريان حكومتها عليه واقتضاءا للإمتثال لأمرها (ليسجنن (بالنون الثقيلة آثرت بناء الفعل للمفعول جريا على رسم الملوك وجوز أن يكون إيهاما لسرعة ترتب ذلك على عدم إمتثاله لأمرها كأنه لا يدخل بينهما فعل فاعل (وليكونا (بالمخففة من الصاغرين 32 أي الأذلال المهانين وهو من صغر كفرح ومصدر صغر بفتحتين وصغرا بضم فسكون وصغار بالفتح وهذا في القدر وأما في الجثة والجرم فالفعل صغر ككرم ومصدره صغر كعنب وجعل بعضهم الصغار مصدرا لهذا أيضا وكذا الصغر بالتحريك والمشهور الأول وأكدت السجن بالنون الثقيلة قيل: لتحققه وما بعده بالنون الخفيفة لأنه غير متحقق وقيل: لأن ذلك الكون من توابع السجن ولوازمه فاكتفت في تأكيده بالنون الخفيفة بعد أن أكدت الأول بالثقيلة وقرأت فرقة بالتثقيل فيهما وهو مخالف لرسم المصحف لأن النون سمت فيه بالألف كنسفعا على حكم الوقف وهي يوقف عليها بالألف كما في قول الأعشى ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا وذلك في الحقيقة لشبهها بالتنوين لفظا لكونها نونا ساكنة مفردة تلحق الآخر واللام الداخلة على حرف الشرط موطئة للقسم وجوابه ساد مسد الجوابين ولا يخفى شدة ما توعدت به كيف وأن للذل تأثيرا عظيما في نفوس الأحرار وقد يقدمون الموت عليه وعلى ما يجر إليه: قيل: ولم تذكر العذاب الأليم الذي ذكرته في (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) إلخ لأنها إذ ذاك كانت في طراوة غيظها ومتنصلة من أنها هي التي راودته فناسب هناك التغليظ بالعقوبة وأما هنا فإنها في طماعية ورجاء وإقامة عذرها عند النسوة فرقت عليه فتوعدته بالسجن وما هو من فروعه ومستتبعاته وقيل: إن قولها: (ليكونا من الصاغرين) إنما أتت به بدل قولها هناك: (عذاب أليم) ذله بالقيد أو بالقرب أو بغير ذلك لكن يحتمل أنها أرادت بالذل والعذاب الأليم ما يكون بالضرب بالسياط فقط أو ما يكون به أو بغيره أو أرادت بالذل ما يكون بالضرب وبالعذاب الأليم ما يكون به أو بغيره أو بالعكس وكيفما كان الأمر فما طلبته هنا أعظم مما لوحت بطلبه هناك لمكان الواو هنا وأو هناك ولعلها إنما بالغت في ذلك بمحضر من تلك النسوة لمزيد غيظها بظهور كذبها وصدقه وإصراره على عدم بل غليلها ولتعلم يوسف عليه السلام أنها ليست في أمرها على خيفة ولا خفية من أحد فيضيق عليه الحيل ويعي به العلل وينصحن له ويرشدنه إلى موافقتها فتدبر (قال (إستئناف بياني كأن سائلا يقول: فماذا صنع يوسف حينئذ فقيل: (قال) مناجيا لربه عز وجل (رب السجن (الذي وعدتني بالإلقاء فيه وهو إسم للمحبس وقرأ عثمان ومولاه طارق وزيد بن علي والزهري وابن أبي إسحاق وابن هرمز ويعقوب (السجن) بفتح السين على أنه مصدر
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»