تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٢٦
ويطلق على الملك، ولعلهم كانوا يطلقونه إذ ذاك فيما بينهم على كل من ولاه الملك على بعض مخصوص من الولايات التي لها شأن فكان من خواصه ذوي القدر الرفيع والمحل المنيع، وهو بهذا المعنى مراد هنا لأنه أريد به قطفير، وهو في المشهور كما علمت إنما كان على خزائن الملك - وكان الملك الريان بن الوليد - وقيل: المراد به الملك، وكان قطفير ملك مصر. واسكندرية، وإضافتهن لها إليه بهذا العنوان دون أن يصرحن باسمها أو اسمه ليظهر كونها من ذوات الأخطار فيكون عونا على إشاعة الخبر بحكم أن النفوس إلى سماع أخبار ذوي الأخطار أميل، وقيل - وهو الأولى - إن ذاك لقصد المبالغة في لومها بقولهن * (تراود فتايها عن نفسه) * أي تطلب مواقعته إياها وتتمحل في ذلك، وإيثارهن صيغة المضارع للدلالة على دوام المراودة كأنها صارت سجية لها، والفتى من الناس الطري من الشبان، وأصله فتى بالياء لقولهم في التثنية - وهي ترد الأشياء إلى أصولها - فتيان، فالفتوة على هذا شاذ، وجمعه فتية. وفتيان، وقيل: إنه يائي وواوي ككنوت وكنيت، وله نظائر كثيرة، ويطلق على المملوك والخادم لما أن جل الخدمة شبان.
وفي الحديث " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي " وأطلق على يوسف عليه السلام هنا لأنه كان يخدمها، وقيل: لأن زوجها وهبه لها فهو مملوكها بزعم النسوة، وتعبيرهن عنه عليه السلام بذلك مضافا إليه لا إلى العزيز لإبانة ما بينهما من التباين البين الناشيء عن الخادمية والمخدومية أو المالكية والمملوكية؛ وكل ذلك لتربية ما مر من المبالغة في اللوم فإن من لا زوج لها من النساء أو لها زوج دنىء قد تعذر في مراودة الأخدان لا سيما إذا كان فيهم علو الجناب، وأما التي لها زوج وأي زوج فمراودتها لغيره لا سيما لمن لم يكن بينها وبينه كفاءة لها وتماديها في ذلك غاية الغي ونهاية الضلال * (قد شغفها حبا) * أي شق حبه شغاف قلبها وهو حجابه.
وقيل: هو جلدة رقيقة يقال لها: لسان القلب حتى وصل إلى فؤادها، وبهذا يحصل المبالغة في وصفها بالحب له، وقيل: الشغاف سويداء القلب، فالمبالغة حينئذ ظاهرة، وإلى هذا يرجع ما روى عن الحسن من أن الشغاف باطن القلب، وما حكى عن أبي علي من أنه وسط والفعل مفتوح الغين المعجمة عند الجمهور.
وقرأ ثابت للبناني بكسرها وهي لغة تميم، وقرأ عليه كرم الله تعالى وجهه. وعلي بن الحسين. وابنه محمد. وابنه جعفر رضي الله تعالى عنهما. والشعبي. وعوف الأعرابي - شعفها - بفتح العين المهملة، وهي رواية عن قتادة. وابن هرمز. ومجاهد. وحميد. والزهري، وروى عن ثابت البناني أنه قرأ كذلك أيضا إلا أنه كسر العين، وهو من شعف البعير إذ هنأه فأحرقه بالقطران، فالمعنى وصل حبه إلى قلبها فكاد يحترق، ومن هذا قول الأعشى: يعصى الوشاة وكان الحب آونة * مما يزين للمشعوف ما صنعا وذكر الراغب أنه من شعفة القلب وهي رأسه عند معلق النياط، ويقال: لأعلى الجبل شعفة أيضا، وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن ابن عباس أن الشغف الحب القاتل. والشعف حب دون ذلك، وأخرجا عن الشعبي أن الشغف الحب، والشعف الجنون، وأخرجا أيضا عن ابن زيد أن الشغف في الحب، والشعف في البغض، وهذا المعنى ممتنع الإرادة هنا على هذه القراءة، وفي كتاب أسرار البلاغة في فصل ترتيب الحب
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»