تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٦
يفرق بينها بين مفردها بالهاء ككمء وكمأة على ما ذكرناه في تعليقاتنا على الألفية، وفي الآية سؤال مشهور وهو أنها تقتي بظاهرها دخول جميع الفريقين في جهنم والمعلوم من الآيات والأخبار خلافه، وأجاب عن ذلك القاضي بما حاصله أن المراد - بالجنة والناس - إما عصاتهما على أن التعريف للعهد والقرينة عقلية لما علم من الشرع أن العذاب مخصوص بهم وأن الوعيد ليس إلا لهم، وفي معنى ذلك ما قيل: المراد - بالجنة والناس - أتباع إبليس لقوله سبحانه في الأعراف. (ص: 85) * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * فاللازم دخول جميع تابعيه في جهنم ولا محذور فيه، والقرآن يفسر بعضه بعضا، ولا حاجة إلى تقدير عصاة مضافا إلى الفريقين كما قيل - فأجمعين - لاستغراق الأفراد المرادة حسبما علمت، وأما ما يتبادر منهما ويراد من التأكيد بيان أن ملء جهنم من الصنفين لا من أحدهما فقط وهذا لا يقتضي شمول أفراد كلا الفريقين ويكون الداخلوها منهما مسكوتا عنه موكولا إلى شيء آخر، واعترض الأخير بأنه مبني على وقوع * (أجمعين) * تأكيدا للمثنى وهو خلاف ما صرحوا به، وفيه أن ذلك إذا كان لمثنى حقيقي لا إذا كان كل فرد منه جمعا فانه حينئذ تأكيد للجمع في الحقيقة فلا ورود لما ذكر.
نعم يرد على الشق الأول أن التأكيد يقتضي دخول جميع العصاة في النار والمعلوم من النصوص خلافه اللهم إلا أن يقال: المراد العصاة الذين قدر الله تعالى أن يدخلوها، وأجاب بعضهم بأن ذلك لا يقتضي دخول الكل بل قدر ما يملأ جهنم كما إذا قيل: ملأت الكيس من الدراهم ولا يقتضي دخول جميع الدراهم في الكيس، ورده الجلال الدواني بأنه نظير أن يقال: ملأت الكيس من جميع الدراهم وهو بظاهره يقتضي دخول جميع الدراهم فيه، والسؤال عليه كما في الآية باق بحاله، ثم قال: والحق في الجواب أن يقال: المراد بلفظ * (أجمعين) * تعميم الأصناف، وذلك لا يقتضي دخول جميع الأفراد كما إذا قلت: ملأت الجراب من جميع أصناف الطعام لا يقتضي ذلك إلا أن يكون فيه شيء من كل صنف من الأصناف لا أن يكون فيه جميع أفراد الطعام، وكقولك: امتلأ المجلس من جميع أصناف الناس فإنه لا يقتضي أن يكون في المجلس جميع أفراد الناس بل أن يكون فيه من كل صنف فرد وهو ظاهر، وعلى هذا يظهر فائدة لفظ * (أجمعين) * إذ فيه رد على اليهود. وغيرهم ممن زعم أنهم لا يدخلون النار انتهى، وتعقبه ابن الصدر بقوله: فيه بحث لأنهم صرحوا بأن فائدة التأكيد - بكل. وأجمعين - دفع توهم عدم الشمول والإحاطة بجميع الافراد، وما ذكره من المثالين فإنما نشأ شمول الأصناف فيه من إضافة لفظ الجميع إلى الأصناف كيف ولو قيل: ملأت الجراب من جميع الطعام باسقاط لفظ الأصناف كان الكلام فه كالكلام فيما نحن فيه، وأيضا ما ذكره من أن في ذلك ردا على اليهود الخ غير صحيح لأن اليهود قالوا * (لن تمسنا الناء إلا أياما معدودة) * فكيف يزعمون أنهم لا يدخلونها أصلا فتدبر ذاك والله سبحانه يتولى هداك.
وأجاب بعضهم بمنزع صوفي وهو أن المراد من * (الجنة والناس) * الذين بقوا في مرتبة الجنية والانسية حيث انغمسوا في ظلمات الطبيعة وانتكبوا في مقر الإجرام العنصرية ولم يرفعوا إلى العالم الأعلى واطمأنوا بالحياة الدنيا ورضوا بها وانسلخوا عن عالم المجردات وهم المشركون الذين قيل في حقهم: * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) * الخ فانهم لا يستأهلون دار الله تعالى وقربه، ثم قال: ولهذا ترى الله تعالى شأنه يذم الإنسان ويدعو عليه في غير ما موضع.
* (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجآءك فى ه‍اذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) * * (وكلا) * أي وكل نبأ فالتنوين للتعويض عن المضاف إليه المحذوف، ونصب - كل - على أنه مفعول به لقوله سبحانه: * (نقص عليك) * أي نخبرك به، وقوله تعالى:
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»