كذلك أخذ الله تعالى الميثاق على العلماء، قال سبحانه: * (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * (آل عمران: 187) وأخف ما احتملت إنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلا حين أدناك اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون الشك بك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) * (مريم: 59) فإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله شقم وهيء زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء والسلام.
وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا، وعن محمد بن سلمة: الذباب على العذرة أحسن من قارىء على باب هؤلاء، وفي الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه، ولعمري إن الآية أبلغ شيء في التحذير عن الظلمة والظلم، ولذا قال الحسن: جمع الدين في لاءين يعني - لا تظغوا. ولا تركنوا - ويحكى أن الموقف أبا أحمد طلحة العباب صلى خلف الإمام فقرأ هذه الآية فغشى عليه فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف الالم.
هذا وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بهذين النهيين بعد الأمر بالاستقامة للتثبيت عليها، وقد تجعل تأكيدا لذلك إذا كان المراد به الدوام والثبات، وعن أبي عمرو أنه قرأ * (تركنوا) * بكسر التاء على لغة تميم.
وقرأ قتادة. وطلحة. والأشهب، ورويت عن أبي عمرو * (تركنوا) * بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وهي على ما في البحر لغة قيس. وتميم.
وقال الكسائي: إنها لغة أهل نجد وشد - تركن - بالفتح مضارع ركن كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة * (ولا تركنوا) * مبنيا للمفعول من أركنه إذا أماله، وقراءة الجمهور * (تركنوا) * بفتح الكاف، والماضي - ركن - بكسرها وهي لغة قريش، وهي الفصحى - على ما قال الأزهري - وقرأ ابن وثاب. وعلقمة. والأعمش. وابن مصرف. وحمزة فيما يروى عنه * (فتمسكم) * بكسر التاء على لغة تميم أيضا * (وما لكم من دون الله من أولياء) * من أنصار يمنعون العذاب عنكم، والمراد نفي أن يكون لكل نصير، والمقام قرينة على ذلك، والجملة في موضع احلال من ضمير * (تمسكم) * * (ثم لا تنصرون) * من جهته تعالى إذ قد سبق في حكم تعالى أن يعذبكم بركونكم إليهم ولا يبقى عليكم، و * (ثم) * قيل: لاستبعاد نصره سبحانه إياهم وقد أوعدهم العذاب على ذلك. وأوجبه لهم، وتعقب بأن أثر الحرف إنما هو في مدخوله ومدخول * (ثم) * عدم النصرة وليس بمستبعد، وإنما المستبعد نصر الله تعالى لهم، فالظاهر أنها للتراخي في الرتبة لأن عدم نصر الله تعالى أشد وأفظع من عدم نصرة غيره، وأجيب بما لا يخلو عن تكلف، وأيا ما كان فالمقام مقام الواو إلا أنه عدل عنها لما ذكر.
وجوز القاضي أن تكون منزلة منزلة الفاء بمعنى الاستبعاد فإنه سبحانه لما بين أنه معذبهم وأن أحدا لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا، ووجه ذلك بأنه كان الظاهر أن يؤتي بالفاء التفريعية المقارنة