تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٩
ما يدل على علو شأنها والأمر غنى عن البيان * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * قال الواسطي: أنوار الطاعات تذهب بظلم المعاصي.
وقال يحيى بن معاذ: إن الله سبحانه لم يرض للمؤمن بالذنب حتى ستر ولم يرض بالستر حتى غفر ولم يرض بالغفران حتى بدل فقال سبحانه: * (إن الحسنات يذهبن السيآت) * (هود: 114) وقال تعالى: * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * (الفرقان: 70) ذلك الذي ذكر من إقامة الصلاة في الأوقات المشار إليها وإذهاب الحسنات السيآت ذكرى للذاكرين تذكير لمن يذكر حاله عند الحضور مع الله تعالى في الصفاء والجمعية والأنس والذوق * (واصبر) * بالله سبحانه في الاستقامة ومع الله تعالى بالحضور في الصلاة وعدم الركون إلى الغير * (إن الله لا يضيع أجر المسحنين) * (هود: 115) الذين يشاهدونه في حال القيام بالحقوق * (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض) * (هود: 116) فيه حض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر * (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) * (هود: 117) قيل: القرى فيه إشارة إلى القلوب * (وأهلها) * إشارة إلى القوى * (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) * متساوية في الاستعداد متفقة على دين التوحيد * (ويزالون مختلفين) * (هود: 118) في الوجهة والاستعداد * (إلا من رحم ربك) * بهدايته إلى التوحيد وتوفيقه للكمال فانهم متفقون في المذهب والمقصد متوافقون في السيرة والطريقة قبلتهم الحق ودينهم التوحيد والمحبة وإن اختلفت عباراتهم كما قيل: عباراتنا شتى وحسنك واحد * وكل إلى ذاك الجمال يشير * (ولذلك) * الاختلاف * (خلقهم) * وذلك ليكونوا مظاهر جماله وجلاله ولطفه وقهره، وقيل: ليتم نظام العالم ويحصل قوام الحياة الدنيا * (وتمت كملة ربك أي أحكمت وأبرمت * (لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) * (هود: 119) لأن جهنم رتبة من مراتب الوجود لا يجوز في الحكمة تعطيلها وإبقاؤها في كتم العدم مع إمكانها * (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) * لما اشتملت عليه من مقاساتهم الشدائد من أممهم مع ثباتهم وصبرهم وإهلاك أعدائهم * (وجاءك في هذه) * السورة * (الحق) * الذي ينبغي المحيد عنه * (وموعظة وذكرى للمؤمنين) * (هود: 120) وتخصيص هذه السورة بالذكر لما أشرنا إليه، وقيل: للتشريف، وإلا فالقرآن كله كذلك، والكل يغرف من بحره على ما يوافق مشربه، ومن هنا قيل: العموم متعلقون بظاهره. والخصوص هائمون بباطنه. وخصوص الخصوص مستغرقون في تجلى الحق سبحانه فيه * (ولله غيب السموات) * على اختلاف معانيها * (والأرض) * كذلك * (وإليه يرجع الأمر كله) * أي كل شأن من الشؤون فإن الكل منه * (فاعبده) * اسقط عنك خظوظ نفسك وقف مع الأمر بشرط الأدب * (وتوكل عليه) * الا تعمتم بما قد كفيته واهتم بما ندبت إليه * (وما ربك بغافل عما تعملون) * (هود: 123) فيجازي كلا حسبما تقتضيه الحكمة والله تعالى ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.
انتهى ما وفقنا له من تفسير هود بمن من بيده الكرم والجود، ونسأله سبحانه أن ييسر لنا إتمام ما قصدناه، ويوفقنا لفهم معاني كلامه على ما يحبه ويرضاه، والحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه وجنده وحزبه، ما غردت الاقلام في رياض التحرير، ووردت الأفهام من حياض التفسير.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»