تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٥
مجازي عام للمعنى الظاهر والصيرورة وعلى ما قبله على معناها، وأظهر الأقوال في الإشارة والضمير ما قدمناه، والقولان الآخران دونه، وأما القول بأن الاشارة لما بعد، وفي الكلام تقديم وتأخير أي - وتمت كلمة ربك لأملان جهنم الخ ولذلك أي لملء جهنم خلقهم - فبعيد جدا من تراكيب كلام العرب ومن هذا الطرز ما قيل: إن ذلك إشارة إلى شهود ذلك اليوم المشهود وكذا ما قيل: إنه إشارة إلى قوله تعالى: * (فمنهم شقي وسعيد) * (هود: 105) أو إلى الشقاوة والسعادة المفهومتين من ذلك. أو إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير. أو إلى النهي المفهوم من قوله سبحانه: * (ينهون عن الفساد في الأرض) * (هود: 116). أو إلى الجنة والنار. أو إلى العبادة إلى غير ذلك من الأقوال التي يتعجب منها.
وذهب بعض المحققين في معنى الآية إلى أن المراد من الوحدة الوحدة في الدين الحق، ومن الاختلاف الاختلاف فيه على معنى المخالفة له كما في قوله تعالى: * (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) * والمراد - بمن رحم - الذين هداهم الله تعالى ولم يخالفوا الحق، والاشارة للاختلاف بمعنى المخالفة، وضمير * (خلقهم) * للذين بقوا بعد الثنيا وهم المختلفون المخالفون، واللام للعاقبة كؤنه قيل: ولو شاء ربك لجعل الناس على الحق ودين الإسلام لكنه لم يشأ فلم يجعل، ولا يزالون مخالفين للحق إلا قوما هداهم سبحانه بفضله فلم يخالفوا الحق، ولما ذكر من الاختلاف خلق المختلفين املخالفين ولا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر وان أخرج ابن جرير. وأبو الشيخ عن مجاهد ما يقتصي بعضه.
ومن الغريب ما روي عن الحسن أن المراد من الاختلاف الاختلاف في الأرزاق والأحوال وتسخير بعضهم بعضا، وقال ابن بحر: المراد أن بعضهم يخلف بعضا فيكون الآتي خلفا للماضي، ومنه ما اختلف الجديدان أي ما خلف أحدهما صاحبه، وإلى هذا ذهب أبو مسلم إلا أنه قال: يخلف بعضهم بعضا في الكفر تقليدا، وفي ذلك ما فيه، وأيا ما كان فالظاهر من الناس العموم وليتأمل هذه الآية مع قوله تعالى: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * وليراجع تفسير ذلك.
وقال الفاضل الجلبي: ليس في هذه الآية ما يدل على عموم الناس حتى تخالف * (وما كان الناس) * الخ، وفيه نظر، والجار والمجرور أعني لذلك متعلق - بخلق - بعده، والظاهر أن الحصر المستفاد من التقديم إذا قلنا: إن التقديم له إضافي والمضاف هو إليه مختلف حسب اختلاف الأقوال في تعيين المشار إليه، وهو على الأول الاتفاق. وعلى ما عداه يظهر أيضا بأدنى التفات، هذا واستدل بالآية على أن الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل وإن ما أراده سبحانه يجب وقوعه.
وذكر بعض العارفين أن منشأ تشييب سورة هود له صلى الله عليه وسلم اشتمالها على أمره عليه الصلاة والسلام بالاستقامة على الدعوة مع إخباره أنه سبحانه إنما خلق الناس للاختلاف وأنه لا يشاء اجتماعهم على الدين الحق وهو كما ترى * (وتمت كلمة ربك) * أي نفذ قضاؤه وحق أمره، وقد تفسر الكلمة بالوعيد مجازا وقد يراد منها الكلام الملقى على الملائكة عليهم السلام؛ والأول أولى، والجملة متضمنة معنى القسم، ولذا جيء باللام في قوله سبحانه: * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * والجنة والجن بمعنى واحد؛ وفي تفسير ابن عطية أن الهاء في الجنة للمبالغة وإن كان الجن يقع على الواحد، فالجنة جمعه انتهى، فيكون من الجموع التي
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»