تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٨
الأمور كلها إليه، وقيل: على ذلك، وكونه تعالى عالما بكل غيب أيضا، وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة تنبيه على أن التوكل لا ينفع دونها وذلك لان تقدمه في الذكر يشعر بتقدمه في الرتبة أو الوقوع.
وقيل: التقديم والتأخير لأن المراد من العبادة امتثال سائر الأوامر من الإرشاد والتبليغ وغير ذلك؛ ومن التوكل التولك فيه كأنه قيل: امتثل ما أمرت به وداوم على الدعوة والتبليغ وتوكل عليه في ذلك ولا تبال بالذين لا يؤمنون ولا سضق صدرك منهم * (وما ربك بغ‍افل عما تعملون) * بتاء الخطاب على تغليب المخاطب، وبذلك قرأ نافع. وأبو عامر. وحفص. وقتادة والأعرج. وشيبة. وأبو جعفر. والجحدري أي وما ربك بغافل عما تعمل أنت وما يعملون هم فيجازي كلا منك ومنهم بموجب الاستحقاق، وقرأ الباقون من السبعة بالياء على الغيبة وذلك ظاهر، هذا وفي زوائد الزهد لعبد الله بن أحمد بن حنبل. وفضائل القرآن لابن الضريس عن كعب أن فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمتها خاتمة هود * (ولله غيب السموات والأرض) * إلى آخر السورة، والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقى) * (هود: 105) كامل الشقاوة ومنهم سعيد كامل السعادة * (فأما الذين شقوا ففي النار) * (هود: 106) أي نار الحرمان عن المراد وآلام ما اكتسبوه من الآثام وهو عذاب النفس * (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شلء ربك) * فيخرجون من ذلك إلى ما هو أشد منه من نيران القلب وذلك بالسخط والاذلال ونيران الروح وذلك بالحجب واللعن والقهر * (إن ربك فعال لما يريد) * (هود: 107) لا حجر عليه سبحانه * (وأما الذين سعدوا ففي الجنة) * أي جنة حصول المرادات واللذات وهي جنة النفس * (خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) * (هود: 108) فيخرجون من ذلك إلى ما هو أعلى وأعلى من جنات القلب في مقام تجليات الصفات وجنات الروح في مقام الشهود وهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد يحمل التنوين على النوعية ويؤول الاستثناء بخروج الشقي من النار بالترقي من مقامه إلى الجنة بزكاء نفسه عما حال بينه وبينها * (فاستقم كما أمرت) * أي في القيام بحقوق الحق والخلق وذلك بالمحافظة على حقوقه تعالى والتعظيم لأمره والتسديد لخلقه مع شهود الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة من غير إخلال ما بشرط من شرائط التعظيم * (ومن تاب) * عن انيته وذنب وجوده دمعك) * (هود: 112) من المؤمنين الموحدين إلى مقام البقاء بعد الفناء، وقيل: إن الاستقامة المأمور بها صلى الله عليه وسلم فوق الاستقامة المأمور بها من معه عليه الصلاة والسلام والعطف لا يقتضي أكثر من المشاركة في مطلق الفعل كما يرشد إليه قوله تعالى: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم) * (آل عمران: 18) على قول، ومن هنا قال الجنيد قدس سره: الاستقامة مع الخوف والرجاء حال العابدين. والاستقامة مع الهيبة والرجاء حال المقربين. والاستقامة مع الغيبة عن رؤية الاستقامة حال العارفين * (ولا تطغوا) * ولا تخرجوا عما حد لكم من الشريعة فإن الخروج عنها زندقة * (ولا تركنوا) * أي لا تميلوا أدنى ميل * (إلى الذين ظلموا) * وهي النفوس المظلمة المائلة إلى الشرور في أصل الخلقة كما قيل: الظلم من شيم النفوس فان تجد * ذا عفة فلعلة لم يظلم وروي ذلك عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر رضي الله تعالى عنهم، وقيل: المعنى لا تقتدوا بالمرائين والجاهلين وقرناء السوء، وقيل: لا تصحبوا الأشرار ولا تجالسوا أهل البدع * (وأقم الصلاة طرفي النهاء وزلفا من الليل) * أمر بإقامة الصلاة المفروضة على ما علمت، وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن، وفي الأخبار
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»