تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٢
كلام الزمخشري يشعر بأن * (ينهون) * خبر * (كان) * جعل * (من القرون) * خبرا آخر أو حالا قدمت لأن تحضيض - أولي البقية - على النهي على ذلك التقدير حتى لو جعل صفة، و * (من القرون) * خبرا كان المعنى تنديم أهل القرون على أن لم يكن فهم أولو بقية ناهون وإذا جعل خبرا لا يكون معنى الاستثناء ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا بل كان ما كان منهم أولو بقية ناهين إلا قليلا فانهم نهوا وهو فاسد، والانقطاع على ما أثره الزمخشري أيضا يفسد لما يلزم منه أن يكون أولو بقية غير ناهين لأن في التحضيض والتنديم دلالة على نفيه عنهم، فالوجه أن يوول بأن المقصد من ذكر الاسم الخبر وهو كالتمهيد له كؤنه قيل: فلولا كان من القرون من قبلكم ناهون إلا قليلا، وفي كلامه إشارة إلى أنه لا يختلف نفي الناهي، وأولو البقية، وإنما عدل إلى المنزل مبالغة لأن أصحاب فضلهم وبقاياهم إذا حضضوا على النهي وندموا على الترك فهم أولي بالتحضيض والتنديم، وفيه مع ذلك الدلالة على خلوهم عن الاسم لخلوهم عن الخبر لأن ذا البقية لا يكون إلا ناهيا فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم وهو من باب. ولا ترى الضب بها ينجحر وقولك: ما كان شجعانهم يحمون عن الحقائق في معرض الذم تريد أن لاشجاع ولا حماية لكن بالغت في الذم حتى خيلت أنه لو كان لهم شجاع كان كالعدم فهذا هو الوجه الكريم والمطابق لبلاغة القرآن العظيم انتهى، وهو تحقيق دقيق أنيق.
وادعى بعضهم أن الظاهر أن * (كان) * تامة، و * (أولو بقية) * فاعلها، وجملة * (ينهون * (صفته، و * (من القرون) * حال متقدمة عليه، و * (من) * تبعيضية، و * (من قبلكم) * حال من * (القرون) *، ويجوز أن يكون صفة لها أي الكائنة بناءا على رأي من جوز حذف الموصول مع بعض صلته، واعترض بأنه يلزم منه كون التحضيض على وجود أولئك فيهم وكذا يلزم كون المنفي ذلك وليس بذاك بل المدار على النهي تحضيضا ونفيا، والتزام توجه الأمرين إليه لكون الصفة قيدا في الكلام؛ والاستعمال الشائع توجه نحو ما ذكر إلى القيد كما قيل زيادة نغمة في الطنبور من غير طرب، ومثله بعد من النصب * (واتبع الذين ظلموا) * وهم تاركو النهي عن الفساد.
* (ما أترفوا فيه) * ما انعموا فيه من الثروة والعيش الهنيء والشهوات الدنيوية، وأصل الترف التوسع في النعمة.
وعن الفراء معنى أترف عود الترفة وهي النعمة، وقيل: * (أترفوا) * أي طغوا من أترفته النعم إذا أطغته - ففي - إما سببية أو ظرفية مجازية، وتعقب بأن هذا المعنى خلاف المشهور وإن صح هنا؛ ومعنى اتباع ذلك الاهتمام به وترك غيره أي اهتموا بذلك * (وكانوا مجرمين) * أي مرتكبي جرائم غير ذلك، أو كافرين متصفين بما هو أعظم الاجرام، ولكل من التفسيرين ذهب بعض، وحمل بعضهم * (الذين ظلموا) * على ما يعم تركي النهي عن الفساد والمباشرين له، ثم قال: وأنت خبير بأنه يلزم من التحضيض بالأولين عدم دخول مباشري الفساد في الظلم والأجرام عبارة، ولعل الأمر في ذلك هين فلا تغفل، والجملة عند أبي حيان مستأنفة لخبار عن حال هؤلاء * (الذين ظلموا) * وبيان أنهم مع كونهم تاركي النهي عن الفساد كانوا ذوي جرائم غير ذلك.
وجوز بعض المحققين أن تكون عطفا على مقدر دل عليه الكلام أي لم ينهوا * (واتبع) * الخ.
وقيل: التقدير إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد * (واتبع الذين) * الخ، وأن تكون استئنافا يترتب على قوله سبحانه: * (إلا قليلا) * أي إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد * (واتبع الذين ظلموا) * من مباشري الفساد وتاركي النهي عنه، وجعل الاظهار على هذا مقتضى الظاهر، وعلى الأول لادراج المباشرين مع التاركين
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»