تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٤١
أهل الموقف المدلول عليه بقوله سبحانه: * (لا تكلم نفس) * (هود: 105) أو الجميع الذي تضمنه * (نفس) * إذ هو اسم جنس أريد به الجميع على ما نقله أبو حيان عن ابن عطية، أو الناس المذكور في قوله سبحانه: * (مجموع له الناس) * ونقل ابن الأنباري أن الضمير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو من الغرابة بمكان وكأنه قصد هذا القائل بذلك تمهيدا لتوجيه الاستثناء الآتي وهو ولله الحمد غني عن ذلك، والظاهر أن * (من) * للتبعيض والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله سبحانه: * (شقي) * مبتدأ، وقوله تعالى: * (وسعيد) * بتقدير ومنهم سعيد، وحذف منهم لدلالة الأول عليه، والسعادة على ما قال الراغب: معاونه الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضادها الشقاوة، وفسر في البحر الشقاوة بنكد العيش وسوئه، ثم قال: والسعادة ضدها، وفي القاموس ما يقرب من ذلك، فالشقي. والسعيد هما المتصفان بما ذكر، وفسر غير واحد الأول بمن استحق النار بمقتضى الوعيد. والثاني بمن استحق الجنة بموجب الوعد، وهذا هو المتعارف بين الشرعيين، وتقديم الشقى على السعيد لأن المقام مقام الانذار والتحذير.
* (فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق) * * (فأما الذين شقوا) * أي سبقت لهم الشقاوة * (ففي النار) * أي مستقرون فيها * (لهم فيها زفير وشهيق) * قال أهل اللغة من الكوفية. والبصرية: الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار والشهيق بمنزلة آخر نهيقه، قال رؤبة: حشرج في الصدر صهيلا أو شهق * حتى يقال ناهق وما نهق وقال ابن فارس:
الزفير إخراج النفس. والشهيق رده، قال الشماخ في حمار وحش: بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه شهيق محشرج وقال الراغب: الزفير ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه من زفر فلان إذا حمل حملا بمشقة فتردد فيه نفسه، ومنه قيل: للإماء الحاملات الماء: زوافر. والشهيق طول الزفير وهو رد النفس، والزغير مده، وأصله من جبل شاهق أي متناه في الطول. وعن السائب أن الزفير للحمير. والشهيق للبغال وهو غريب، ويراد بهما الدلالة على كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بحال من استولت على قلبه الحرارة وانحصر فيه روحه، أو تشبيه أصواتهم بأصوات الحمير ففي الكلام استعارة تمثيلية أو استعارة مصرحة، والمأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يريد ندامة ونفسا عاليا وبكاءا لا ينقطع، وقرأ الحسن * (شقوا) * بضم الشين فاستعمل متعديا لأنه يقال شقاه الله تعالى كما يقال أشقاه، وجملة * (لهم فيها زفير) * الخ مستأنفة كأن سائلا قال: ما شأنهم فيها؟ فقيل لهم فيها كذا وكذا، وجوز أن تكون منصوبة المحل على الحالية من النار أو من الضمير في الجار والمجرور [بم كقوله عز وجل:
* (خ‍الدين فيها ما دامت السم‍اوات والارض إلا ما شآء ربك إن ربك فعال لما يريد) * * (خ‍الدين فيها) * خلا أنه إن أريد حدوث كونهم في النار فالحال مقدرة * (ما دامت السم‍اوات والأرض) * أي مدة دوامهما، وهذا عبارة عن التأييد ونفي الانقطاع على منهاج قول العرب: لا أفعل كذا ما لاح كوكب. وما أضاء الفجر. وما اختلف الليل والنهار. وما بل بحر صوفة. وما تغنت حمامة إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم لا تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها وانقطاع دوامهما، وروي هذا عن ابن جرير، وجوز أن يحمل ذلك على التعليق والمراد بالسموات والأرض سموات الآخرة وأرضها، وهي دائمة للأبد، قال الزمخشري: والدليل على أن لها سموات وأرضا قوله سبحانه: * (يوم تبدل الأرض غير
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»