وفي الآية ما يسمى الاستطراد، قيل: ولم يرد في القرآن من هذا النوع إلا ما في هذا الموضع وقد استعملته العرب في أشعارها، ومن ذلك قول حساب رضي الله عنه تعالى عنه: إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجى الحرث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام هذا ومن باب الإشارة في الآيات: قوله سبحانه في قصة هود عليه السلام: * (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) * (هود: 56) فيه إشارة إلى أن كل ذي نفس تحت قهره سبحانه وسلطانه أسير في يد تصرفه وملكته عاجز عن الفعل إلا بإذنه وأنه عز وجل لا يسلط أحدا على أحد إلا عن استحقاق ذنب أو رفع درجة وإعلاء منزلة لأنه تبارك وتعالى على طريق العدل الذي لا إعوجاج فيه، وذكر الشيخ الأكبر قدس سره في فصوصه: إن كل ما سوى الحق فهو دابة فإنه ذو روح وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره بحكم التبعية للذي هو على صراط مستقيم فكل ماش فهو على الصراط المستقيم وحينئذ فلا مغضوب عليه ولا ضال من هذا الوجه، نعم إن الناس على قسمين: أهل الكشف. وأهل الحجاب، فالأولون يمشون على طريق يعرفونها ويعرفون غايتها فهي في حقهم صراط مستقيم كما أنها في نفس الأمر كذلك، والآخرون يمشرون على طريق يجهلونها ولا يعرفون غايتها وأنها تنتهي إلى الحق فهي في حقهم ليست صراطا مستقيما وإن كانت عند العارف ونفس الأمر صراطا مستقيما، واستنبط قدس سره من الآية أن مآل الخلق كلهم إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي الرحمة السابقة على الغضب، وادعى أن فيها بشارة للخلق أي بشارة.
وقال القيصري في تفسيرها: أي ما من شيء موجود إلا هو سبحانه آخذ بناصيته وإنما جعل دابة لأن الكل عند صاحب الشهود وأهل الوجود حي، فالمعنى مامن حي إلا والحق آخذ بناصيته ومتصرف فيه بحسب أسمائه يسلك به أي طريق شاء من طرقه وهو على صراط مستقيم؛ وأشار بقوله سبحانه: * (آخذ) * إلى هوية الحق الذي مع كل من الأسماء ومظاهرها، وإنما قال: * (إن ربي على صراط مستقيم) * بإضافة الرب إلى نفسه، وتنكير الصراط تنبيها على أن كل رب على صراطه المستقيم الذي عين له من الحضرة الآلهية، والصراط المستقيم الجامع للطرق هو المخصوص بالاسم الإلهي ومظهره لذلك قال في الفاتحة المختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم: * (إهدنا الصراط المستقيم) * (الفاتحة: 6) بلام العهد. أو الماهية التي منها تتفرع جزئياتها، فلا يقال: إذا كان كل أحد على الصراط المستقيم فما فائدة الدعوة؟ لأنا نقول: الدعوة إلى الهادي من المضل. وإلى العدل من الجائر كما قال سبحانه: * (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) * (مريم: 85) انتهى بحروفه، وأعظم من هذا إشكالا التكليف مع القول بالوحدة وكذا التنعيم والتعذيب فإن الظاهر من التقرير لكلام المحققين من الصوفية أن المكلف عبارة عن موجود هو حصة من الوجود المطلق المفاض على حقائق الممكنات المتعين بتعينات مختلفة اقتضتها الاستعدادات الذاتية للحقائق التي هي المعدومات المتميزة في نفس الأمر المستعدة باستعدادات ذاتية غير مجعولة، فالمكلف مقيد من مقيدات الوجود المطلق المفاض، والمقيد لا يوجد بدون المطلق لأنه قيومه، والمطلق من حيث الإطلاق عين الحق، ولا شك أن قاعدة التكليف تقتضي أن يكون بينهما مغايرة ومباينة حقيقية ذاتية حتى يصح التكليف وما يترتب عليه من التعذيب والتنعيم.
وأجيب بأن حقيقة الممكن أمر معدوم متميز في نفسه بتميز ذاتي غير مجعول ووجوده خاص مقيد بخصوصية ما