الأرض والسموات) * (إبراهيم: 48) وقوله سبحانه: * (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * (الزمر: 74) ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء انتهى.
قال القاضي: وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما عرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه، وأجاب عنه صاحب الكشف بأنه إذا أريد ما يظلهم وما يقلهم فهو ظاهر السقوط لأن هذا القدر معلوم الوجود لكل عاقل واما الدوام فليس مستفادا من دليل دوام الثواب والعقاب بل مما يدل على دوام الجنة والنار سواء عرف أنهما دار الثواب والعقاب وأن أهلهما السعداء والأشقياء من الناس أولا على أنه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل العكس انتهى، وتعقبه الجلبي بأن قوله: لكل عاقل غير صحيح فانه لا يعترف بذلك إلا المؤمنون بالآخرة، وقوله الدوام مستفاد مما يدل على دوام الجنة والنار لا يدفع ما ذكره القاضي لأنه يريد أن المشبه به ليس أعرف من المشبه لا عند المتدين لأنه يعرف كليهما من قبل الأنبياء عليهما السلام وليس فيه ما يوجب أعرفية دوام سموات الآخرة وأرضها وليس مراده أن دوامهما مستفاد من خصوص الدليل الدال على الثواب والعقاب بعينه فإنه لا يهمه ليمنع ولا عند غير المتدين فانه لا يعترف به ولا بها ولا يعرفه، وقوله: على أنه ليس من تشبيه الخ مبني على أنه تشبيه تلك الدار بهذه الذار وليس بذلك، وإنما المراد التشبيه الضمني لدوامهم بدوامهما انتهى، وفيه بحث.
والحق أن صحة إرادة ذلك مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان، وفي الاختبار عن ابن عباس. والحسن. والسدى. وغيرهم ما يقتضيه، ومن تأمل منصفا بعد تسليم أن هناك تشبيها يظهر له أن المشبه به أعرف من المشبه وأقرب إلى الذهن، واتحاد طريق العلم بهما لا يضر في ذلك شيئا بداهة أن ثبوت الحيز أعرف وأقرب إلى الذهن من ثبوت ما تحيز فيه وإن وردا من طرق السمع كما لا يخفى على أن اشتراط كون المشبه به أعرف في كل تشبيه غير مسلم عند الناظر في المعاني، نعم المتبادر من السموات والأرض هذه الأجرام المعهودة عندنا، فالأولى أن تبقى على ظاهرها ويجعل الكلام خارجا مخرج ما اعتادته العرب في محاوراتهم عند إرادة التبعيد والتأبيد، وهو أكثر من أن يحصى، ولعل هذا أولى أيضا مما في تفسير ابن كثير من حمل السموات والأرض على الجنس الشامل لما في الدنيا والآخرة أي المظل والمقل في كل دار، وفي الدرر أنه يمكن أن يكون المراد أنهم خالدون بمقدار مدة بقاء السموات والأرض التي يعلم انقطاعها ثم يزيدهم سبحانه على ذدلك ويخلدهم ويؤبد مقامهم، ولعله أراد مدة بقائهما منذ خلقهما الله تعالى إلى أن يبدلهما لا مدة بقائهما بعد دخولهم النار يوم القيامة لأنهما يبدلان قبل دخولهم. والآية على هذا من قبيل قوله سبحانه: * (لابثين فيها أحقابا) * (النبأ: 23) * (إلا ما شاء ربك) * قيل: هو استثناء من الضمير المستكن في * (خالدين) * وتكون * (ما) * واقعة على نوع من يعقل كما في قوله سبحانه: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) أو واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها عليه مطلقا.
والمراد بمن شاء فساق الموحدين فإنهم يخرجون منها كما نطقت به الأخبار، وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فانهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم، والتأبيد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء، ألا ترى أنك إذا قلت: مكثت يوم الخميس في البستان إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذلك الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوله ومن آخره، وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم، ولا يقال: فعلى هذا لا يكون قوله سبحانه: