تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٤٥
وهذا كما قال الطيبي من أسلوب * (حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40) * (ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (الدخان: 56) وذكر أنه وقف على نص من قبل الزجاج يوافق ذلك.
وفي المعالم عن الفراء أيضا ما يوافقه حيث نقل عنه أنه قال: هذا استثناء استثناه سبحانه ولا يفعله كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزيمتك أن تضربه، وحذو القذة بالقذة ما نقله قبل عن بعضهم أن المعنى لو شاء لأخرجهم لكنه لا يشاء لأنه سبحانه حكم لهم بالخلود.
وفي البحر عن ابن عطية نقلا عن بعض ما هو بمعناه أيضا حيث قال: وأما قوله تعالى: * (إلا ما شاء ربك) * فقيل فيه: إنه على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام فهو على نحو قوله جل وعلا: * (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) * (الفتح: 27) استثناء في واجب، وهذا الاستثناء في حكم الشرط كأنه قيل: إن شارء ربك فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع، وممن ذهب إلى ذلك أيضا الفاضل ميرزاجان الشيرازي في تعليقاته على تفسير القاضي ونص على أنه من قبيل التعليق بالمحال حتى يثبت محالية المعلق ويكون كدعوى الشيء مع بينة، وهو أحد الأوجه التي ذكرها السيد المرتضى في درره، وتفسير الاستثناء الأول بالشرط أخرجه ابن مردويه عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك الجلال السيوطي في الدر المنثور، ولعل النكتة في هذا الاستثناء على ما قيل: إرشاد العبد إلى تفويض الأمور إليه جل شأنه وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته جل وعلا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لاحق لأحد عليه ولا يجب عليه شيء كما قال تبارك وتعالى: * (إن ربك فعال لما يريد) *.
وذكر بعض الأفاضل أن فائدته دفع توهم كون الخلود أمرا واجبا عليه تعالى لا يمكن له سبحانه نقضه كما ذهب إليه المعتزلة حيث أخبر به جل وعلا مؤكدا، والمراد - بالذين شقوا - على هذا الوجه الكفار فقط فانهم الأحقاء بهذا الاسم على الحقيقة - وبالذين سعدوا - المؤمنون كافة مطيعهم وعاصيهم فيكون التقسيم في قوله سبحانه: * (فمنهم شقى وسعيد) * (هود: 105) للانفصال الحقيقي ولا ينافيه قوله تعالى: * (ففي الجنة) * لأنه يصدق بالدخول في الجملة.
وفي الكشف بعد نقل أن الاستثناء من باب * (حتى يلج الجمل) * (الأعراف: 40) فإن قلت: فقد حصل مغزي الزمخشري من خلود الفساق، قلت: لا كذلك لأنهم داخلون في السعداء، والآية تقتضي خلود السعيد وذلك بعد دخوله فيها لا محالة، ولا تنفي كينونته في النار قبل دخوله في الجنة فإن اللفظ لا يقتضي أن يدخلوا - أعني السعداء - كلهم في الجنة معا كيف والقاطع يدل على دخولهم أولا فأولا عى حسب مراتبهم انتهى فتأمل، فإن الآية من المعضلات.
وإنما لم يضمر في * (إن ربك) * الخ كما هو الظاهر لتربية المهابة وزيادة التقرير، واللام في * (لما) * قيل: للتقوية أي فعال ما يريده سبحانه لا يتعاصى عليه شيء بوجه من الوجوه.
* (وأما الذين سعدوا ففى الجنة خ‍الدين فيها ما دامت السم‍اوات والارض إلا ما شآء ربك عطآء غير مجذوذ) * * (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خ‍الدين فيها مادامت السم‍اوات والأرض إلا ما شاء ربك) * الكلام فيه ما علمتخلا أنه لم يذكر ههنا أن لهم بهجة وسرورا كما ذكر في أهل النار * (لهم فيها زفير وشهيق) * لأن المقام مقام التحذير والإنذار، و * (سعدوا) * بالبناء للمفعول قراءة حمزة. والكسائي. وحفص، ونسبت إلى ابن مسعود. وطلحة بن مصرف. وابن وثاب. والأعمس، وقرأ جمهور السبعة * (سعدوا) * بالبناء للفاعل، واختار ذلك علي بن سليمان، وكان يقول: عجبا من الكسائي كيف قرأ * (سعدوا) * مع علمه بالعربية، وهذا عجيب منه فإنه ما قرأ
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»