وصيغة فعيل بمعنى مفعول أي محصول كما قال الأخفش، وجمعه حصدي، وحصاد مثل مرضي ومراض، وجملة * (منها قائم) * الخ مستأنفة استئنافا نحويا للتحريض على النظر في ذلك والاعتبار به، أو بيانيا كأنه سئل لما ذكرت ما حالها؟ فأجيب بذلك، وقال أبو البقاء: هي في موضع الحال من الهاء في نقصه، وجوز الطيبي كونها حالا من القرى، وادعى صاحب الكشف أن جعلها حالا من ضمير نقصه فاسد لفظا ومعنى، ومن القرى كذلك، وفي الحواشي الشهابية أراد بالفساد اللفظي في الأول خلو الجملة من الواو والضمير. وفي الثاني مجيء الحال من المضاف إليه في غير الصور المعهودة، وبالفساد المعنوي أنه يقتضي أنه ليس من المقصوص بل هو حال ارجة عنها وليس بمراد، ولا يسوغ جعل ما بعده ابتداء المقصوص، وفيه فساد لفظي أيضا.
وزعم بعض أنه أراد بالفساد الأول في الأول ما ذكر. وفي الثاني وقوع الجملة الاسمية حالا بالضمير وحده وبالضمير تخصيص كونها مقصوصة بتلك الحالة فإن المقصوصية ثابتة لها وللنبأ وقت قيام بعضها أيضا، وقد أصاب بعضا وأخطأ بعضا، ووجه الحلبي الخلو عن الواو والضمير بأن المقصود من الضمير الربط وهو حاصل لارتباط ذلك بمتعلق ذي الحال وهي القرى، فالمعنى نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحالة تشاهدون فعل الله تعالى بها، وتعقب بأن الاكتفاء في الربط بما ذكر مع خفائه مذهب تفرد به الأخفش ولم يذكره في الحال وإنما ذكره في خبر المبتدأ، وقول أبي حيان: إن الحال أبلغ في التخويف وضرب المثل للحاضرين مع ما سمعت نفعا والحق أنه لا وجه لما ذكره أبو البقاء يعول عليه إلا الذهول.
* (وما ظلمناهم ولاكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم ءالهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جآء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) * * (وما ظلمناهم) * قيل: الضمير للقرى مرادا بها أهلها وقد أريد منها أولا حقيقتها، ففي الكلام استخدام، وقيل: الضمير لأهل القرى لأن هناك مضافا مقدرا أي ذلك من أنباء أهل القرى؛ والضمائر منها ما يعود إلى المضاف. ومنها ما يعود إلى المضاف إليه، ومتى وضح الأمر جاز مثل ذلك.
وقيل: القرى على ظاهرها وإسناد الأنباء إليها مجاز، وضمير * (منها) * لها وضمير * (ظلمناهم) * للأهل المفهو منها، وقيل: * (القرى) * مجاز عن أهلها، والضميران راجعان إليها بذلك الاعتبار، أو يقدر المضاف. والضميران له أيضا، وعلى هذا خرج ما حكى عن بعضهم من أن معنى * (منها قائم وحصيد) * منها باق نسله. ومنها منقطع نسله، وأيا ما كان ففي الكلام إيذان بإهلاك الأهل فيكون المعنى هنا وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم.
* (ولاكن ظلموا أنفسهم) * حيث اقترفوا بسوء استعدادهم ما يترتب عليه ذلك بمقتضى الحكمة * (فما أغنت عنهم) * أي ما نفعتهم ولا دفعت بأس الله تعالى عنهم * (الهتهم التي يدعون) * أي يعبدونها * (من دون الله) * أوثر صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو للدلالة على استمرار عبادتهم لها * (من شيء) * أي شيئا من الإغناء أو شيئا من الأشياء - فما - نافية لا استفهامية - وإن جوزه السمين - وتعلق عن بما عنده لما فيه من معنى الدفع، و * (من) * الأخيرة صلة ومجرورها مفعول مطلق. أو مفعول به للدفع، وقوله سبحانه: * (لما جاء أمر ربك) * أي حين مجيء عذابه منصوب - بأغنت - وهذا - على ما في البحر - بناءا على خلاف مذهب سيبويه لأن مذهبه أن * (لما) * حرف وجوب لوجوب.
وقرىء - آلهتهم اللاتي - و * (يدعون) * بالبناء للمفعول وهو وصف للآلهة كالتي في المشهورة، وفيه مطابقة