تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٢٨
على ما اعتادوه في تسميته كاذبا تجهيلا لهم، والمعنى ستعلمون حالكم وحال الصادق الذي سميتموه كاذبا لجهلكم، وليس المراد ستعلمون أنه كاذب في زعمكم فلا يرد ما توهم من أن كذبه في زعمهم واقع معلوم لهم الآن فلا معنى لتعليق علمه على المستقبل، وقال ابن المنير: الظاهر أن الكلامين جميعا لهم - فمن يأتيه - الخ متضمن ذكر جزائهم، * (ومن هو كاذب) * متضمن ذكر جرمهم الذي يجازون به وهو الكذب، وهو من عطف الصفة على الصفة والموصوف واحد كما تقول لمن تهدده: ستعلم من يهان ومن يعاقب، وأنت تعني المخاطب في الكلامين فيكون في ذكر كذبهم تعريض لصدقه وهو أبلغ وأوقع من التصريح، ولذلك لم يذكر عاقبة شعيب عليه السلام استغناءا بذكر عاقبتهم، وقد مر مثل ذلك أول السورة في قوله سبحانه: * (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) * (هود: 39) حيث اكتفى بذلك عن أن يقول: ومن هو على خلاف ذلك، ونظيره * (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) * (الأنعام: 135) حيث ذكر فيه إحدى العاقبتين لأن المراد بهذه العاقبة عاقبة الخير لأنها متى أطلقت لا يعن إلا ذلك نحو والعاقبة للمتقين، ولأن اللام في * (له) * يدل على أنها ليست عليه، واستغنى عن ذكر مقابلها انتهى، وتعقبه الطيبي بما رده عليه الفاضل الجلبي * (وارتقبوا) * أي انتظروا ما أقول لكم من حلول ما أعدكم به وظهور صدقه * (إني معكم رقيب) * أي منتظر ذلك، وقيل:
المعنى انتظروا العذاب إني منتظر النصرة والرحمة، وروي ذلك عن ابن عباس، و * (رقيب) * إما بمعنى مرتقب كالرفيع بمعنى المرتفع. أو راقب كالصريم بمعنى الصارم. أو مراقب كعشير بمعنى معاشر، والأنسب على ما قيل بقوله: * (ارتقبوا) *: الأول وإن كان مجىء فعيل بمعنى اسم الفاعل المزيد غير كثير وفي زيادة * (معكم) * إظهار منه عليه السلام لكمال الوثوق بأمره.
* (ولما جآء أمرنا نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى دي‍ارهم ج‍اثمين) * * (ولما جآء أمرنا) * أي عذابنا كما ينبىء عنه قوله سبحانه: * (سوف تعلمون) * الخ أو وقته فإن الارتقاب يؤذن بذلك * (نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة منا) * وهو الإيمان الذي وفقناهم له. أو بمرحمة كائنة منالهم وإنما جىء بالفاء في قصتي ثمود. ولوط حيث قيل: * (فلما جاء أمرنا) * وبالواو ههنا وفي قصة عاد حيث قيل: * (ولما جاء) * الخ لأنه قد سبق هناك سابقة الوعد بقوله سبحانه: * (ذلك وعد غير مكذوب) * (هود: 65) وقوله تعالى: * (إن موعدهم الصبح) * (هود: 81) وهو يجري مجرى السبب المقتضى لدخول الفاء في معلوله، وأما ههنا. وفي قصة عاد فلم يسبق مثل ذلك بل ذكر مجىء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم واحد فهما متشاركان من وجه مفترقان من آخر، وذلك مقام الواو كذا قيل.
وتعقب بأن في الكلام ههنا ذكر الوعد أيضا، وهو قوله سبحانه: * (يا قوم اعملوا على مكانتكم) * إلى قوله عز وجل: * (رقيب) * (هود: 93) غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي الفرق، وقيل: إن ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح. ولوط للوعد المذكور فإن بين الأولين والعذاب ثلاثة أيام. وبين الآخرين وبينه ما بين قول الملائكة: * (إن موعدهم الصبح) * والصبح: وهي سويعات يسيرة. ولا كذلك عذاب قومي شعيب. وهود عليهما السلام بل في قصة قوم شعيب عليه السلام ما يشعر بعدم تضييق زمان مجىء العذاب بناءا على الشائع في استعمال * (سوف) * على أن من أنصف من نفسه لم يشك في الفرق بين الوعد في قصتي صالح. ولوط عليهما السلام. والوعد في غيرهما، فإن الإشعار بالمجىء فيهما ظاهر فحسن تفريعه بالفاء ولا كذلك في غيرهما كذا قيل، وفيه ما لا يخفى، ولعل الاقتصار على التفرقة بالقرب
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»