تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٢٩
وعدمه أقل غائلة مما قيل، وكذا مما يقال: من أن الإتيان بالفاء - لتقدم الوعد وتركها وإن كان هناك وعد للإشارة إلى سوء حال أولئك القومين ومزيد فظاعته حتى أن العذاب حل بهم لا لسبب سبق الوعد بل لمجرد ظلمهم وكأن وجه اعتبار ذلك فيهم دون قومي لوط. وصالح عليهما السلام أنهم امتازوا عنهم برمي ذينك النبيين بالجنون ومشافهتهما بما لم يشافه به كل من قومي صالح. ولوط نبيه فيما قص عنهما في هذه السورة الكريمة فإن في ذلك ما لا يكاد يخفى عليك فتدبر * (وأخذت الذين ظلموا) * عدل عن الضمير تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بالعلية أي وأخذت أولئك الظالمين بسبب ظلمهم الذي فصل * (الصيحة) * قيل: صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا وكانت صيحة على الحقيقة، وجوز البلخي أن يكون المراد بها نوعا من العذاب، والعرب تقول: صاح بهم الزمان إذا هلكوا، وقال امرؤ القيس: فدع عنك نهبا (صيح) في حجراته * ولكن حديث ما حديث الرواحل والمعول عليه الأول، وقد سبق في الأعراف (الرجفة) أي الزلزلة بدلها، ولعلها كانت من مباديها فلا منافاة، وقيل: غير ذلك فتذكر * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * أي ميتين من جثم الطائر إذا ألصق بطنه بالأرض، ولذا خص الجثمان بشخص الإنسان قاعدا، ثم توسعوا فاستعملوا الجثوم بمعنى الإقامة، ثم استعير من هذا الجاثم للميت لأنه لا يبرح مكانه، ولما لم يجعل متعلق العلم في قوله سبحانه: * (سوف تعلمون من يأتيه عذاب) * الخ نفس مجيء العذاب بل من يجيئه ذلك جعل مجيئه بعد أمرا مسلم الوقوع غنيا عن الاخبار به حيث جعل شرطا، وجعل تنجية شعيب عليه السلام والمؤمنين وإهلاك الكفرة الظالمين جوابا له ومقصود الإفادة، وإنما قدم التنجية اهتماما بشأنها وإيذانا بسبق الرحمة على الغضب قاله شيخ الإسلام، و - أصبح - إما ناقصة. أو تامة أي صاروا جاثمين. أو دخلوا في الصباح حال كونهم جاثمين.
* (كأن لم يغنوا فيهآ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) * * (كأن لم يغنوا) * أي لم يقيموا * (فيها) * متصرفين في أطرافها متقلبين في أكنافها، والجملة إما خبر بعد خبر. أو حال بعد حال.
* (ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) * العدول عن الإضمار إلى الإظهار للمبالغة في تفظيع حالهم وليكون أنسب بمن شبه هلاكهم بهلاكهم، وإنما شبه هلاكهم بهلاكهم لأن عذاب كل كان بالصيحة غير أنه روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صيحة ثمود كانت من تحتهم. وصيحة مدين كانت من فوقهم.
وقرأ السلمي. وأبو حيوة (بعدت) بضم العين، والجمهور بكسرها على أنه من بعد يبعد بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع بمعنى هلك، ومنه قوله: يقولون: (لا تبعد) وهم يدفونني * وأين مكان البعد إلا مكانيا وأما بعد يبعد بالضم فهو البعد ضد القرب قاله ابن قتيبة، قيل: أرادت العرب بهذا التغيير الفرق بين المعنيين، وقال ابن الأنباري: من العرب من يسوي بين الهلاك وبعد الذي هو ضد القرب، وفي القاموس البعد المعروف والموت، وفعلهما - ككرم. وفرح - بعدا وبعدا بفتحتين، وقال المهدوي: إن بعد بالضم يستعمل في الخير والشر. وبعد بالكسر في الشر خاصة، وكيفما كان الأمر فالمراد ببعدت على تلك القراءة أيضا هلكت غاية الأمر أنه في ذلك إماحقيقة أو مجاز، ومن هلك فقد بعد ونأى كما قال الشاعر:
من كان بينك في التراب وبينه * شهران فهو في غاية (البعد)
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»