وجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، والداعي لارتكاب المجاز أو الكناية على ما قيل: إن المودة بمعنى الميل القلب وهو ممالا يصح وصفه تعالى به، والسلفي يقول: المودة فينا الميل المذكور، وفيه سبحانه وراء ذلك مما يليق بجلال ذاته جل جلاله، وقيل: معنى * (ودود) * متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم، وقل: محبوب المؤمنين، وتفسيره هنا بما تقدم أولى، والجملة في موضع التعليل للأمر السابق ولم يعتبر الأكثر ما أشرنا إليه من نحو التوزيع، فقال: عظيم الرحمة للتائبين مبالغ في اللطف والإحسان بهم، وهو مما لا بأس به.
* (قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك ومآ أنت علينا بعزيز) * * (قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) * أي ما نفهم ذلك كأنهم جعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع العلوم والمعارف إذ ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل ولم يجدوا إلى محاورته عليه السلام سبيلا من قبيل التخليط والهذيان الذي لا يفهم معناه ولا يدرك فحواه، وقيل: قالوا ذلك استهانة به عليه السلام كما يقول الرجل لمن لا يعبأ به: لا أدري ما تقول، وليس فيه كثير مغايرة للأول، ويحتمل أن يكون ذلك لعدم توجههم إلى سماع كلامه عليه السلام لمزيد نفرتهم عنه أو لغباوتهم وقصور عقولهم، قيل: وقولهم * (كثيرا) * للفرار عن المكابرة ولا يصح أن راد به الكل وإن ورد في اللغة لأن مما تقول يأبى ذلك كما أن * (كثيرا) * نفسه يأبى حمل كلامهم هذا على أنه كناية عن عدم القبول، وزعم بعضهم أنهم إنما لم يفقهوا كثيرا مما يقول لأنه عليه السلام كان ألثغ، وأظن أنه لم يفصح بذلك خبر صحيح على أن ظاهر ما جاء من وصفه عليه السلام بأنه خطيب الأنبياء يأبى ذلك. ولعل صيغة المضارع للإيذان بالاستمرار * (وإنا لنرياك فينا) * أي فيما بيننا * (ضعيفا) * لا قوة لك ولا قدرة على شيء من الضر والنفع والإيقاع والدفع.
وروي عن ابن عباس. وابن جبير. وسفيان الثوري. وأبي صالح تفسير الضعيف بالأعمى وهي لغة أهل اليمن، وذلك كما يطلقون عليه ضريرا وهو من باب الكناية على ما نص عليه البعض، وإطلاق البصير عليه كما هو شائع من باب الاستعارة تمليحا، وضعف هذا التفسير بأن التقييد بقولهم: فينا بصر لغوا لأن من كان أعمى يكون أعمى فيهم وفي غيرهم وإرادة لازمة وهي الضعف بين من ينصره ويعاديه لا يخفى تكلفه، ومن هنا قال الإمام: جوز بعض أصحابنا العمى على الأنبياء عليهم السلام لكن لا يحسن الحمل عليه هنا، وأنت تعلم أن المصحح عند أهل السنة أن الأنبياء عليهم السلام ليس فيهم أعمى، وما حكاه الله تعالى عن يعقوب عليه السلام كان أمرا عارضا وذهب.
والأخبار المروية عمن ذكرنا في شعيب عليه السلام لم نقف على تصحيح لها سوى ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فإن الحاكم صحح بعض طرقه لكن تصحيح الحاكم كتضعيف ابن الجوزي غير معول عليه، وربما يقال فيه نحو ما قيل في يعقوب عليه السلام، فقد أخرج الواحدي. وابن عساكر عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بكى شعيب عليه السلام من حب الله تعالى حتى عمي فرد الله تعالى عليه بصره وأوحى إليه يا شعيب ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار، فقال: لا ولكن اعتقدت حبك بقلبي فإذا نظرت إليك فلا أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى الله تعالى إليه يا شعيب إن يكن ذلك حقا فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي "، وذهب بعض المعتزلة إلى أنه لا يجوز استنباء الأعمى لكونه صفة منفرة لعدم الاحتراز معه عن النجاسات ولأنه يخل بالقضاء والشهادة فإخلاله بمقام النبوة أولى،