تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٢٦
من أن أفطر يوما من رمضان وذلك لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف فقدره علي كرم الله تعالى وجهه محبوبا إلى نفسه أيضا، ثم فضل صوم شعبان عليه فكأنه قال: هب أنه محبوب عندي أيضا أليس صوم يوم من شعبان أحب منه انتهى، وما في الآية يمكن تخريجه على طرز الأخير فيكون إنكاره عليه السلام عليهم أعزية رهطه منه تعالى على تقدير أن يكون عز وجل عزيزا عندهم أيضا، ويعلم من ذلك إنكار ما هم عليه بطريق الأولى، وكأن هذا هو الداعي لاختيار هذا الأسلوب من الإنكار، ووقوعه في الجواب لا يأبى ذلك، وإن قيل بجواز خلو المجرور - بمن - من مشاركة المفضل وإرادة مجرد المبالغة من أفعل المقرون بها بناءا على مجىء ذلك بقلة - كما قال الجلال السيوطي في " همع الهوامع " - نحو العسل أحلى من الخل. والصيف أحر من الشتاء، واعتمد هنا على قرينة السباق والسياق فالأمر واضح، واستحسن كون قوله تعالى: * (واتخذتموه) * الخ اعتراضا وفائدته تأكيدتها ونهم بالله تعالى ببيان أنهم قوم عادتهم أن لا يعبأوا بالله تعالى ويجعلوه كالشيء المنبوذ، وجوز بعض كونه عطفا على ما قبله على معنى أفضلتم رهطى على الله سبحانه وتهاونتم به تعالى ونسيتموه ولم تخشوا جزاءه عز وجل، وقال غير واحد: إنه يحتمل أن يكون الغرض من قوله عليه السلام * (أرهطى) * الخ الرد والتكذيب لقومه فإنهم لما ادعوا أنهم لا يكفون عن رجمه عليه السلام لعزته بل لمراعاة جانب رهطه رد عليهم ذلك بأنكم ما قدرتم الله تعالى حق قدره ولم تراعوا جنابه القوي فكيف تراعون رهطى الأذلة، وأيا ما كان فضمير * (اتخذتموه) * عائد إلى الله تعالى وهو الذي ذهب إليه جمهور المفسرين، وروي عن ابن عباس. والحسن وغيرهما، و - الظهري - منسوب إلى الظهر، وأصله المرمي وراء الظهر، والكسر من تغييرات النسب كما قالوا في النسبة إلى أمس: أمسي بالكسر. وإلى الدهر دهري بالضم، ثم توسعوا فيه فاستعملوه للمنسي المتروك، وذكروا أنه حتمل أن يكون في الكلام استعارة تصريحة وأن يكون استعارة تمثيلية.
وزعم بعضهم أن الضمير له تعالى، و - الظهري - العون وما يتقوى به، والجملة في موضع الحال، والمعنى أفضلتم الرهط على الله تعالى ولم تراعوا حقه سبحانه. والحال أنكم تتخذونه سند ظهوركم وعماد آمالكم.
ونقل ابن عطية هذا المعنى عن جماعة، وقيل: الظهري المنسي، والضمير عائد على الشرع الذي جاء به شعيب عليه السلام وإن لم يذكر صريحا، وروي عن مجاهد أو على أمر الله، ونقل عن الزجاج، وقيل: الظهري بمعنى المعين، والضمر لله تعالى، وفي الكلام مضاف محذوف أي عصيانه والمعنى على ما قرره أبو حيان واتخذتم عصيانه تعالى عونا وعدة لدفعي، وقيل: لا حذف والضمير للعصيان وهو الذي يقتضيه كلام المبرد، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الخروج عن الظاهر من غير فائدة، ومما ينظم في سلكها تفسير العزيز بالملك زعما أنهم كانوا يسمعون الملك عزيزا على أن من له أدنى ذوق لا يكاد يسلم صحة ذلك فتفطن، ونصب * (ظهريا) * على أنه مفعول ثان - لاتخذتموه - والهاء مفعوله الأول، و * (ورائكم) * ظرف له أو حال من * (ظهريا) *.
* (إن ربي بما تعملون محيط) * تهديد عظيم لأولئك الكفرة الفجرة أي أنه سبحانه قد أحاط علما بأعمالكم السيئة التي من جملتها رعايتكم جانب الرهط دون رعاية جنابه جل جلاله في فيجازيكم على ذلك [بم وكذا قوله:
* (وياقوم اعملوا على مكانتكم إنى ع‍امل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إنى معكم رقيب) * * (وي‍اقوم اعملوا على مكانتكم) * أي غاية تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، وهو مصدر مكن يقال: مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن، والميم على هذا أصلية، وفي " البحر " يقال: المكان والمكانة مفعل ومفعلة
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»