الأولياء ما يظن أنه مخالف لما دلت عليه الآية في ذلك. فقد أخرج ابن المبارك: والترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ. وابن مردويه. وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قيل: يا رسول الله من أولياء الله؟ قال: " والذين إذا رؤا ذكر الله تعالى " أي لحسن سمتهم وأخباتهم.
وأخرج أحمد. وابن أبي حاتم. والبيهقي. وجماعة عن أبي مالك الأشعري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للهتعالى عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله تعالى. قال أعرابي: يا رسول الله انعتهم لنا قال: " هم أناس من افناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متفاربة تحابوا في الله وتصافوا في الله يضع الله تعالى لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها يفزع الناس وهم لا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ولا مخالفة في الحقيقة فإن ما أشير إليه من حسن السمات والأخبات والتحاب في الله تعالى من الأحكام اللازمة للإيمان والتقوى والآثار الخاصة بهما الحقيقة بالتخصيص بالذكر لظهورها وقربنا من أفهام الناس، وقد أورد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا من ذلك حسبما يقتضيه مقام الإرشاد والتذكير ترغيبا لسائل أو حاضر فيما خصه بالذكر من أحكامهما، وأريد بوصهفهم بأنهم يغبطهم النبيون على مجالسهم وقربهم الإشارة إلى راحتهم مما يعتري الأنبياء عليهم السلام من الاشتغال بأممهم، والمراد أنهم يغبطونهم على مجموع الأمرين، وعن الكواشي أن ذلك خارج مخرج المبالغة، والمعنى أنه لو فرض قوم بهذه الصفة لكانوا هؤلاء. وقال بعض المحققين: إن ذلك تصوير لحسن حالهم على طريقة التمثيل، وأيا ما كان فلا دليل فيه على أن الولاية أفضل من النبوة وقد كفر معتقد ذلك، وقد يؤول له بحمل ذلك على أن ولاية النبي أفضل من نبوته كما حمل ما قاله العز بن عبد السلام المخالف للأصح من أن النبوة أفضل من الرسالة على نحو ذلك، وكذا لنظير ما ذكرنا لا يخالف ما دلت الآية عليه تفسير عيسى عليه السلام لذلك.
فقد أخرج أحمد في الزهد. وابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن وهب قال: قال الحواريون: يا عيسى من أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها وأماتوا منها ما يخشون أن يميتهم وتركوا ما علموا أن سيتركهم فصار استكثارهم منها استقلالا وذكرهم إياها فواتا وفرحهم بما أصابوا منها حزنا وما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، خلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها وخربت بينهم فليسوا يعمرونها وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يحدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها هم الفرحين، باعوها فكانوا ببيعها هم الرابحين ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت فيهم المثلات فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله سبحانه وتعالى ويستضيؤون بنوره ويضيؤون به لهم خبر عجيب وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وبهم علم الكتاب وبه علموا، ليس يرون نائلا مع نالوا ولا أماني دون ما يرجون ولا فرقا دون ما يحذرون.
* (لهم البشرى في الحيواة الدنيا وفى الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذالك هو الفوز العظيم) * * (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * استئناف جيء به في موضع التعليل لنفي حزنهم والخوف عليهم في قول، وفي آخر جيء به بيانا لما أولاهم سبحانه من خيرات الدارين بعد أن أخبر جل وعلا بانجائهم