من شرورهما ومكارههما وكأنه على هذا قيل: هل لهم وراء ذلك من نعمة وكرامة؟ فقيل: لهم البشرى الخ، وتقديم الأول لما أن التخلية سابقة على التحلية مع ما فيه من رعاية حق المقابلة بين حسن حال المؤمنين وسوء حال المفترين وتعجيل إدخال المسرة بتبشير الخلاص عن الأهوال، وتوسيط البيان السابق بين التخلية والتحلية لإظهار كمال العناية به مع الإيذان بأن انتفاء ما تقدم لإيمانهم واتقائهم عما يؤدي إليه من الأسباب، ومن الناس من فسر الأولياء بالذين يتولنه تعالى بالطاعة ويتولاهم بالكرامة وجعل * (الذين آمنوا) * الخ تفسيرا لتوليهم إياه تعالى، وهذه الجملة تفسيرا لتوليته تعالى إياهم.
وتعقب بأنه لا ريب في أن اعتبار القيد الأخير في مفعوم الولاية غير مناسب لمقام ترغيب المؤمنين في تحصيلها والثبات عليها وبشارتهم بآثارها ونتائجها بل مخل بذلك إذ التحصيل إنما يتعلق بالمقدور والاستبشار لا يحصل إلا بما علم وجود سببه والقيد المذكور ليس بمقدور لهم حتى يحصلوا الولاية بتحصيله ولا بمعلوم لهم عند حصوله حتى يعرفوا حصول الولاية لهم ويستبشروا بمحاسن آثارها بل التولي بالكرامة عين نتيجة الولاية فاعتباره في عنوان الموضوع ثم الأخبار بعدم الخوف والحزن مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل انتهى، وأنت تعلم أن ما ارتكبه ذلك البعض تكلف وعدول عن الظاهر فلا ينبغي العدول إليه وإن كان ما ذكره المتعقب لا يخلو عن نظر. وجوز كون الموصول مبتدأ وهذه الجملة خبره، وفي بعض الأخبار ما يؤيده، و * (البشرى) * في الأصل الخبر بما يظهر السرور في بشرة الوجه ومثلها البشارة وتطلق على المبشر به من ذلك وإلى إرادة كل ذهب بعض، والظرفان بعده على الأول متعلقان به وعلى الثاني في موضع الحال منه، والعامل ما في الخبر من معنى الاستقرار أي لهم البشرى حال كونها في الدنيا وحال كونها في الآخرة أي عاجلة وآجلة؛ أو من الضمير المجرور أي حال كونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والثابت في أكثر الروايات أن البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة كما هو المشهور، أو جزء من سبعين جزأ منها كما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر. وأبي هريرة. وهو. وابن ماجه عن الأول. فقد أخرج الطيالسي. وأحمد. والدارمي. والترمذي. وابن ماجه. والطبراني. والحاكم وصححه. والبيهقي. وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: * (لهم البشرى في الحياة الدنيا) * قال: هي " الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " وأخرج ابن جردويه عن ابن مسعود أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجيب بما ذكر أيضا، وأخرج من طريق أبي سفيان عن جابر مثل ذلك، وأخر ابن أبي الدنيا. وأبو الشيخ. وأبو القاسم بن منده من طريق أبي جعفر عن جابر المذكور قال: أتى رجل من أهل البادية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: * (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى) * الخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما قوله تعالى: * (لهم البشرى في الحياة الدنيا) * فهي الرؤيا الحسنة ترى للمؤمن فيبشر بها في دنياه وأما قوله سبحانه: * (وفي الآخرة) * فإنها بشارة المؤمن عند الموت أن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك " وجاء مرفوعا وموقوفا عن غير واحد تفسيرها بما ذكر، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن البشرى في الحياة الدنيا هي قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * (الأحزاب: 47) وعن الزجاج. والفراء أنها هذا وما يشاكله من قوله تعالى: * (وبشر الذين آمنوا أن لهم