متصل بقوله سبحانه: * (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكن عملكم) * (يونس: 41) الآية واختاره على ما فيه من البعد الطبرسي.
وقرأ نافع * (ولا يحزنك) * من أحزن وهو في الحقيقة نهى له صلى الله عليه وسلم عن الحزن كأنه قيل: لا تحزن بقولهم ولا تبال بكل ما يتفوهون به في شأنك مما لا خير فيه، وإنما عدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة في النهي عن الحزن لما أن النهي عن التأثير نهى عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة، ونظير ذلك كما مر غير مرة قولهم - لا أرينك ههنا - ولا يأكلك السبع - ونحوه، وقد وجه فيه النهي إلى اللازم والمراد هو النهي عن الملزوم، قيل: وتخصيص النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابق للخوف أيضا لما أنه لم يكن فيه صلى الله عليه وسلم شائبة خوف حتى ينهى عنه وربما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات حزن فسلى عنه، ولا يخفى أنه إذا قلنا أن الخوف والحزن متقاربان فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا كما علمت آنفا كان النهي عن الحزن نهيا عن الخوف أيضا إلا أن الأولى عدم اعتبار ما فيه توهم نسبة الخوف إلى ساحته عليه الصلاة والسلام وإن لم يكن في ذلك نقص. فقد جاء نهي الأنبياء عليهم السلام عن الخوف كنهيهم عن الحزن بل قد ثبت صريحا نسبة ذلك إليهم وهو مما لا يخل بمرتبة النبوة إذ ليس كل خوف نقصا لينزهوا عنه كيف كان.
* (إن العزة لله جميعا) * كلام مستأنف سيق لتعليل النهي، وقيل: جواب سؤال مقدر كأنه قيل: لم لا يحزنه؟ فقيل: لأن الغلبة والقهر لله سبحانه لا يملك أحد شيئا منها أصلا لا هم ولا غيرهم فلا يقهر ولا يغلب أولياءه بل يقهرهم ويغلبهم ويعصمك منهم. وقرأ أبو حيوة * (أن) * بالفتح على صريح التعليل أي لأن، وحمل قتيبة بن مسلم ذلك على البدل ثم أنكر القراءة لذلك لأنه يؤدي إلى أن يقال: فلا يحزنك أن العزة لله جميعا وهو فاسد. وذكر الزمخشري أنه لو حمل على البدل لكان له وجه أيضا على أسلوب * (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) * (القصص: 86) * (ولا تدع مع الله إلها آخر) * (القصص: 88) فيكون للتهييج والإلهاب والتعريض بالغير وفيه بعد * (هو السميع العليم) * يسمع أقوالهم في حقك ويعلم ما يضمرونه عليك فيكافؤهم على ذلك وما ذكرناه في الآية هو الظاهر المتبادر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله تعالى وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه من الله سبحانه فيما يعاتبه * (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم) * يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدا مع ما فيه من تعليق العلم بما علق بالسمع، ولعل روايته عن الحبر غير معول عليها.
* (ألاإن لله من فى السماوات ومن فى الارض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركآء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * * (ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض) * أي من الملائكة والثقلين كما يدل عليه التعبير - بمن - الشائع في العقلاء، والتغليب غير مناسب هنا، ووجه تخصيصهم بالذكر الإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيدا لله مملوكين له سبحانه فما عداهم من الموجودات أولى بذلك، والجملة مع ما فيها من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة به جل شأنه الموجب لسلوته عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاته بمقالات المشركين تمهيد لما لحق من قوله سبحانه: * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) * ودليل على بطلان ظنونهم وأعمالهم المبنية عليها والاقتصار على أحد الأمرين قصور فلا تكن من القاصرين، و * (ما) * نافية * (وشركاء) * مفعول * (يتبع) * ومفعول * (يدعون) * محذوف لظهوره، أي ما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء في