تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٤٥
ثعلب عنها فقال: إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها، وقيل: الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الناذة * (في الأرض ولا في السماء) * أي في جهتي السفل والعلو أو في دائرة الوجود والإمكان لأن العامة لا تعرف سواهما ممكنا ليس فيهما ولا متعلقا بهما، والكلام شامل لهما أنفسهما أيضا كما لا يخفى، وتقديم الأرض على السماء مع أنها قدمت عليها في كثير من المواضع ووقعت أيضا في سبأ في نظير هذه الآية مقدمة لأن الكلام في حال أهلها والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه سبحانه بتفاصيلها، وذكر السماء لئلا يتوهم اختصاص إحاطة علمه جل وعلا بشيء دون شيء، وحاصل الاستدلال أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء ومن يكون هذا شأنه كيف لا يعلم حال أهل الأرض وما هم عليه مع نبيه صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه: * (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * جملة مستقلة ليست معطوفة على ما قبلها، و * (لا) * نافية للجنس و * (أصغر) * اسمها منصوب لشبهه بالمضاف وكذا * (أكبر) * لتقدير عمله، وقول السمين: إنهما مبنيان على الفتح ضعيف وهو مذهب البغداديين، وزعم أنه سبق قلم متأخر عن حيز القبول، و * (في كتاب) * متعلق بمحذوف وقع خبرا.
وقرأ حمزة. ويعقوب. وخلف. وسهل بالرفع على الابتداء والخبر، و * (لا) * يجوز الغاؤها إذا تكررت، وأما قولهم: إن الشبيه بالمضاف يجب نصبه فالمراد منه المنع من البناء لا المنع من الرفع والإلغاء كما توهمه بعضهم، وجوز أن يكون ذلك على جعل * (لا) * عاملة عمل ليس، وقيل: إن * (أصغر) * على القراءة الأولى عطف على * (مثقال) * أو * (ذرة) * باعتبار اللفظ، وجيء بالفتح بدلا عن الكسر لأنه لا ينصرف للوصف ووزن الفعل، وعلى القراءة الأخرى معطوف على * (مثقال) * باعتبار محله لأنه فاعل. و * (من) * كما عرفت مزيد. واستشكل بأنه يصير التقدير ولا يعزب عنه أصفر من ذلك ولا أكبر منه إلا في كتاب فيعزب عنه ومعناه غير صحيح. وأجيب بأن هذا على تقدير اتصال الاستثناء وأما على تقدير انقطاعه فيصير التقدير لكن لا أصغر ولا أكبر إلا هو في كتاب مبين، وهو مؤكد لقوله سبحانه: * (لا يعزب عنه) * (سبأ: 3) الخ، وأجاب بعضهم على تقدير الاتصال بأنه على حد * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (الدخان: 56) * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (النساء: 23) في رأي، فالمعنى لا يبعد عن علمه شيء إلا ما في اللوح الذي هو محل صور معلوماته تعالى شأنه بناء على تفسير الكتاب المبين به أو إلا ما في علمه بناء على ما قيل: إن الكتاب العلم، فإن عد ذلك من العزوب فهو عازب عن علمه وظاهر أنه ليس من العزوب قطعا فلا يعزب عن علمه شيء قطعا. ونقل عن بعض المحققين في دفع الأشكال أن العزوب عبارة عن مطلق البعد، والمخلوقات قسمان قسم أوجده الله تعالى من غير واسطة كالأرض والسماء والملائكة عليهم السلام وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث في العالم وقد تتباعد سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود سبحانه، فالمعنى لا يبعد عن مرتبة وجوده تعالى ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين أثبت فيه سبحانه تلك المعلومات، فهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال، وإثبات العزوب بمعنى البعد عنه تعالى في سلسلة الإيجاد لا محذور فيه وهو وجه دقيق إلا أنه أشبه بتدقيقات الحكماء وأن خالف ما هم عليه في الجملة.
وقال الكواشي: معنى يعزب يبين وينفصل، أي لا يصدر عن ربك شيء من خلقه إلا وهو في اللوح وتلخيصه
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»