أن كل شيء مكتوب فيه. واعترض بأن تفسيره بيبين وينفصل غير معروف، وقيل: المراد بالبعد عن الرب سبحانه البعد والخروج عن غيبه أي لا يخرج عن غيبه إلا ما كان في اللوح فيعزب عن الغيب ويبعد إذ لا يبقى ذلك غيبا حينئذ لاطلاع الملائكة عليهم السلام وغيرهم عليه فيفيد إحاطة علمه سبحانه بالغيب والشهادة. ومن هنا يظهر وجه آخر لتقديم الأرض على السماء، وقيل: إن * (إلا) * عاطفة بمنزلة الواو كما قال بذلك الفراء في قوله تعالى: * (لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) * (النحل: 10 - 11) والأخفش في قوله سبحانه: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * (البقرة: 150) وقوم في قوله جل شأنه: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) * (النجم: 32) وهو مقدر بعدها، والكلام قد تم عند قوله سبحانه: * (ولا أكبر) * ثم ابتدأ بقوله تعالى: * (إلا في كتاب) * أي وهو في كتاب ونقل ذلك مكي عن أبي علي الحسن بن يحيى الجرجاني ثم قال: وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون * (إلا) * بمعنى الواو، والانصاف أنه لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى العزيز على ذلك ولو اجتمع الخلق إنسهم وجنهم على مجيء إلا بمعنى الواو، وقيل: آن الاستثناء من محذوف دل عليه الكلام السابق أي ولا شيء إلا في كتاب؛ ونظيره * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * (الأنعام: 38) ويكون من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى في كل معلوم وإن كل شيء مكتوب في الكتاب، ويشهد لهذا على ما قيل كثير من أساليب كلام العرب. ونقل عن صاحب كتاب تبصرة المتذكر أنه يجوز أن يكون الاستثناء متصلا بما قبل قوله تعالى: * (ولا يعزب) * ويكون في الآية تقديم وتأخير، وترتيبها وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا في كتاب مبين إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه إلى ولا أكبر، وتلخيصه وما من شيء إلا وهو في اللوح المحفوظ ونحن نشاهده في كل آن. ونظر فيه البلقيني في رسالته المسماة بالاستغناء بالفتح المبين في الاستثناء في * (ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * بأنه على ما فيه من التكلف يلزم عليه القول بتركيب في الكلام المجيد لم يوجد في كلام العرب مثله أعني إلا في كتاب مبين إلا كنا عليكم شهودا وليس ذلك نظير. أمرر بهم الا الفتى إلا العلا. كما لا يخفى.
وأنت تعلم أن أقل الأقوال تكلفا القول بالانقطاع، وأجلها قدرا وأدقها سرا القول بالاتصال وإخراج الكلام مخرج * (إلا ما قد سلف) * (النساء: 22) ونظائره الكثيرة نثرا ونظما، ولا عيب فيه إلا أن الآية عليه أبلغ فليفهم، ثم إنه تعالى لما عمم وعده ووعيده في حق كافة من أطاع وعصى أتبعه سبحانه بشرح أحوال أوليائه تعالى المخلصين [بم فقال عز من قائل:
* (ألاإن أوليآء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * وفي ارشاد العقل السليم أنه بيان على وجه التبشير والوعد لما هو نتيجة لأعمال المؤمنين وغاية لما ذكر قبله من كونه سبحانه مهيمنا على نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته في كل ما يأتون ويذرون وإحاطة علمه جل وعلا بعد ما أشير إلى فظاعة حال المفترين على الله تعالى يوم القيامة وما سيعتريهم من الهول إشارة إجمالية على طريق التهديد والوعيد، وصدرت الجملة بحرف التنبيه والتحقيق لزيادة تقرير مضمونها، والأولياء جمع ولي من الولي بمعنى القرب والدنو يقال: تباعد بعد ولي أي قرب، والمراد بهم خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه كما يفصح عنه تفسيرهم الآتي، ويفسر الولي بالمحب وبين المعنيين تلازم، وسيأتي تمام الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى، وجاء بمعنى النصير ويشير كلام البعض إلى صحة اعتبار هذا المعنى هنا، والمراد من الجملتين المنفيتين المتعاطفتين دوام انتفاء مدلولهما كما مر تحقيقه غير مرة، قيل: والمعنى لا خوف عليه من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مطلوب في جميع الأوقات أي لا يعتريهم