تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٤٨
أباه النحاة. نعم جوزه الحفيد، وجوز فيه البدلية أيضا، والمراد من التقوى عند جمع المرتبة الثالثة منها وهي التقوى المأمور بها في قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * (آل عمران: 102) وفسرت بتنزه الإنسان عن كل ما يشغل سره عن الحق والتبتل إليه بالكلية، وبذلك يحصل الشهود والحضور والقرب الذي يدور إطلاق الاسم عليه، وهكذا كان حال من دخل معه صلى الله عليه وسلم تحت الخطاب بقوله سبحانه وتعالى: * (ولا تعملون من عمل) * الخ خلا أن لهم في شأن التبتل والتنزه درجات متفاوتة حسبما درجات تفاوت استعداداتهم، وأقصى الدرجات ما انتهى إليه همم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى جمعوا بذلك بين رياسة النبوة والولاية ولم يعقهم التعلق بعالم الأشباح عن الاستغراق في عالم الأرواح ولم تصدهم الملابسة بمصالح الخلف عن التبتل إلى جناب الحق سبحانه عز وجل لكمال استعداد نفوسهم الزكية المؤيدة بالقوة القدسية كذا قيل، وفي كون حال كل من دخل معه صلى الله عليه وسلم تحت الخطاب مرادا به جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما أشار إليه من التقوى الحقيقية المأمور بها في الآية التي بها يحصل الشهود والحضور والقرب بحث، وقصارى ما تحقق بعد نزاع طويل ذكرناه في جوابنا لبسؤال أهل - لاهور - أن الصحابة كلهم عدول من لابس منهم الفتنة ومن لم يلابسها ودعوى أن العدالة تستلزم الولاية بالمعنى السابق أن تمت تم المقصود وإلا فلا، والآية ظاهرة في أن الأولياء هم المؤمنون المتقون وأقل ما يكفي في إطلاق الولي التقرب إليه سبحانه بالفرائض من امتثال الأوامر واجتناب الزواجر، والأكمل التقرب إليه جل شأنه بكل ما يمكن من القرب، وفي المبين المعين الولي هو من يتولى الله تعالى بذاته أمره فلا تصرف له أصلا إذ لا وجود له ولا ذات ولا فعل ولا وصف، والتركيب يدل على القرب فكأنه قريب منه عز وجل لاستدامة عباداته واستقامة طاعاته أو لاستغراقه في بحر معرفته ومشاهدة طلعة عظمته انتهى، وفيه القول بأن الولي فعيل بمعنى مفعول، وجوز أن يكون بمعنى فاعل، وفسر بأنه من يتولى عبادة الله تعالى وطاعته على التوالي من غير تخلل معصية، وعن القشيري أن كلا الوصفين تولى الله تعالى أمره وتولية عبادة الله تعالى وطاعته شرط في الولاية غير أن الوصف الأول غالب على المجذوب المراد والثاني على السالك المريد، ولا يخفى أن هذا الكلام وكذا ما قبله يدل على أن تخلل المعصية مناف للولاية وهو الذي يشير إليه كلام غير واحد من الفضلاء، وليس في ذلك قول بالعصمة التي لم يثبتها الجماعة إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل قصارى ما فيه القول بالحفظ، وقد قيل: الأولياء محفوظون وفسر بعدم صدور الذنب مع إمكانه، والقيد لإخراج العصمة.
نعم جاءت العصمة بمعنى الحفظ المفسر بما ذكر، وعلى ذلك خرج قول صاحب حزب البحر اللهم اعصمني في الحركات والسكنات لأن الدعاء بما هو من خواص الأنبياء عليهم السلام لا يجوز كالدعاء بسائر المستحيلات كما حقق في محله. وأطلق بعضهم القول بأن تخلل ذلك غير مناف احتجاجا بما حكى عن الجنيد قدس سره أنه سئل هل يزني العارف؟ فقال: نعم * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * (الأحزاب: 38)، وتعقب بأنه محمول على الإمكان سؤال وجوابا ولا كلام فيه وإنما الكلام في أن الوقوع مناف أو غير مناف، وقال بعضهم: لا شبهة في عدم بقاء وصف الولاية حال التلبس بالمعصية إذ لا تقوى حينئذ بالإجماع ومدار هذا الوصف عليها وكذا على الإيمان، وهو غير كامل إذ ذاك عند أهل الحق وغير متحقق أصلا بل المتحقق الفسق المعنى بالواسطة أو الكفر عند آخرين، وكذا لا شبهة في عدم منافاة وقوع المعصية الاتصاف بالولاية بعده بأن يعود من ابتلى بذلك إلى تقوى الله تعالى ويتصف بما تتوقف الولاية عليه، وهو نظير من يتصف بالإيمان أو بالعدالة مثلا بعد أن لم
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»