تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٤٠
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله سبحانه: * (وما نقموا) * الآية، ولا يخفى أن الاغناء على الأول أظهر، وقيل: كان إغناؤهم بما من الله تعالى به من الغنائم فقد كانوا كما قال الكلبي قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة محاويج في ضنك من العيش فلما قدم عليه الصلاة والسلام أثروا بها، والضمير على هذا يجوز أن يكون للمؤمنين فيكون الكلام متضمنا ذم المنافقين بالحسد كما أنه على الأول متضمن لذمهم بالكفر وترك الشكر، وتوحيد ضير فضله لا يخفى وجهه * (فإن يتوبوا) * عما عم عليه من القبائح * (يك) * أي التوب، وقيل: أي التوبة ويغتفر مثل ذلك في المصادر.
وقد يقال: التذكير باعتبار الخبر أعني قوله سبحانه: * (خيرا لهم) * أي في الدارين، وهذه الآية على ما في بعض الروايات كانت سببا لتوبته وحسن إسلامه لطفا من الله تعالى به وكرما * (وأن يتولوا) * أي استمروا على ما كانوا عليه من التولي والاعراض عن إخلاص الإيمان أو أعرضوا عن التوبة.
* (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا) * بمتاعب النفاق وسوء الذكر ونحو ذلك، وقيل: المراد بعذاب الدنيا عذاب القبر أو ما يشاهدونه عند الموت، وقيل: المراد به القتل ونحوه على معنى أنهم يقتلون إن أظهروا الكفر بناءا على أن التولي مظنة الإظهار فلا ينافي ما تقدم من أنهم لا يقتلون وأن الجهاد في حقهم غير ما هو المتبادر.
* (والآخرة) * وعذابهم فيها بالنار وغيرها من أفانين العقاب * (وما لهم في الأرض) * أي في الدنيا، والتعبير بذلك للتعميم أي ما لهم في جميع بقاعها وسائر أقطارها * (من ولى ولا نصير) * ينقذهم من العذاب بالشفاعة أو المدافعة، وخص ذلك في الدنيا لأنه لا ولي ولا نصير لهم في الآخرة قطعا فلا حاجة لنفيه.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 43) الخ فيه إشارة إلى علو مقامه صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه على سائر الأحباب حيث آذنه بالعفو قبل العتاب، ولو قال له: لم أذنت لهم عفى الله عنك لذاب، وعبر سبحانه بالماضي المشير إلى سبق الاصطفاء لئلا يوحشه عليه الصلاة والسلام الانتظار ويشتغل قلبه الشريف باستمطار العفو من سحاب ذلك الوعد المدرار، وانظر كم بين عتابه جل شأنه لحبيبه عليه الصلاة والسلام على الأذن لأولئك المنافقين وبين رده تعالى على نوح عليه السلام قوله: * (إن ابني من أهلي) * (هود: 45) بقوله سبحانه: * (يا نوح إنه ليس من أهلك) * إلى قوله تبارك وتعالى: * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * (هود: 46) ومن ذلك يعلم الفرق - وهو لعمري غير خفي - بين مقام الحبيب ورتبة الصفى، وقد قيل: إن المحب يعتذر عن حبيبه ولا ينقصه عنده كلام معيبه، وأنشد: ما حطك الواشون عن رتبة * كلا وما ضرك مغتاب كأنهم أثنوا ولم يعلموا * عليك عندي بالذي عابوا وقال الآخر: في وجهه شافع يمحو إساءته * عن القلوب ويأتي بالمعاذير وقال: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد * جاءت محاسنه بألف شفيع
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»