تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٤٢
هم الذين رهنت قلوبهم بلذة محبة الله تعالى وبقيت نفوسهم في المجاهدة في طريقه سبحانه لم يبلغوا بالكلية إلى الشهود فتارة تراهم في لجج بحر الإرادة، وأخرى في سواحل بحر القرب، وطورا هدف سهام القهر، ومرة مشرق أنوار اللطف ولا يصلون إلى الحقيقة ما دام عليهم بقية من المجاهدة والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم والأحرار ما وراء ذلك وقليل ما هم أتمنى على الزمان محالا * ان ترى مقلتاي طلعة حر * (والغارمين) * هم الذين ما قضوا حقوق معارفهم في العبودية وما أدركوا في إيقانهم حقائق الربوبية، والمعرفة غريم لا يقضي دينه * (وفي سبيل الله) * هم المحاربون نفوسهم بالمجاهدات والمرابطون بقلوبهم في شهود الغيب لكشف المشاهدات * (وابن السبيل) * هم السافرون بقلوبهم في بوادي الأزل وبأرواحهم في قفار الأبد وبعقولهم في طرق الآيان وبنفوسهم في طلب أهل الولايات * (فريضة من الله) * على أهل الإيمان أن يعطوا هؤلاء الأصناف من مال الله سبحانه لدفع احتياجهم الطبيعي * (والله عليم) * بأحوال هؤلاء وغيبتهم عن الدنيا * (حيكم) * (التوبة: 60) حيث أوجب لهم ما أوجب، ومن الناس من فسر هذه الأصناف بغير ما ذكر ولا أرى التفاسير بأسرها متكفلة بالجمع والمنع * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) * عابوه عليه الصلاة والسلام وحاشاه من العيب بسلامة القلب وسرعة القبول والتصديق لما يسمع، فصدقهم جل شأنه ورد عليهم بقوله سبحانه: * (قل) * هو * (أذن خير لكم) * أي هو كذلك لكن بالنسبة إلى الخير، وهذا من غاية المدح فإن النفس القدسية الخيرية تتأثر بما يناسبها، أي أنه عليه الصلاة والسلام يسمع ما ينفعكم وما فيه صلاحكم دون غيره، ثم بين ذلك بقوله تعالى: * (يؤمن بالله) * الخ، وقد غرهم - قاتلهم الله تعالى حتى قالوا ما قالوا - كرم النبي صلى الله عليه وسلم لم يشافههم برد ما يقولون رحمة منهم بهم، وهو عليه الصلاة والسلام الرحمة الواسعة، وعن بعضهم أنه سئل عن العاقل فقال: الفطن المتغافل وأنشد: وإذا الكريم أتيته بخديعة * فرأيته فيما تروم يسارع فاعلم بأنك لم تخادع جاهلا * إن الكريم لفضله متخادع * (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) * أي هم متشابهون في القبح والرداءة وسوء الاستعداد * (يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم) * أي يبخلون أو يبغضون المؤمنين فهو إشارة إلى معنى قوله سبحانه: * (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) * أو لا ينصرون المؤمنين أو لا يخشعون لربهم ويرفعون أيديهم في الدعوات * (نسوا الله) * لاحتجابهم بما هم فيه * (فنسيهم) * (التوبة: 67) من رحمته وفضله * (ولهم عذاب مقيم) * (التوبة: 68) وهو عذاب الاحتجاب بالسوى * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تحري من تحتها الأنهار) * هي جنات النفوس * (ومساكن طيبة) * مقامات أرباب التوكل في جناب الأفعال * (ورضوان من الله أكبر) * إشارة إلى جنات الصفات * (ذلك) * أي الرضوان * (هو الفوز العظيم) * (التوبة: 72) لكرامة أهله عند الله تعالى وشدة قربهم ولا بأس بإبقاء الكلام على ظاهره ويكون في قوله سبحانه: * (ومساكن طيبة) * إشارة إلى الرؤية فإن المحب لا تطيب له الدار من غير رؤية محبوبه: أجيراننا ما أوحش الدار بعدكم * إذا غبتم عنها ونحن حضور ولكون الرضوان هو المدار لكل خير وسعادة والمناط لكل شرف وسيادة كان أكبر من
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»