تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٤١
وقوله سبحانه: * (لا يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) * (التوبة: 44) فيه إشارة إلى أن المؤمن إذا سمع بخبر خير طار إليه وأتاه ولو مشيا على رأسه ويديه ولا يفتح فيه فاه بالاستئذان، وهل يستأذن في شرب الماء ظمآن؟
وقال الواسطي: إن المؤمن الكامل مأذون في سائر أحواله إن قام قام بإذن وإن قعد قعد بإذن وإن لله سبحانه عبادا به يقومون وبه يقعدون، ومن شأن المحبة امتثال أمر المحبوب كيفما كان: لو قال تيها قف على جمر الغضى * لوقفت ممتثلا ولم أتوقف * (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) * (التوبة: 45) الخ أي إنما يستأذنك المنافقون رجاء أن لا تأذن لهم بالخروج فيستريحوا من نصب الجهاد * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) * (التوبة: 46) فقد قيل: لو صح منك الهوى أرشد للحيل ولكن كره الله انبعائهم فثبطهم إشارة إلى خذلانهم لسوء استعدادهم * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * (التوبة: 49) لأن الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة محيطة بهم وهي النار بعينها غاية الأمر انها ظهرت في هذه النشأة بصورة الأخلاق والأعمال وستظهر في النشأة الأخرى بالصورة الأخرى، وقوله تعالى: * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * (التوبة: 54) فيه إشارة إلى حرمانهم لذة طعم العبودية واحتجابهم عن مشاهدة جمال معبودهم وأنهم لم يعلموا أن المصلي يناجي ربه وأن الصلاة معراج العبد إلى مولاه، ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وقال محمد بن الفضل: من لم يعرف الآمر قام إلى الأمر على حد الكسل ومن عرف الآمر قام إلى الأمر على حد الاستغنام والاسترواح، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال: ارحنا يا بلال وقول تعالى: * (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) * فيه تحذير للمؤمنين أن يستحسنوا ما مع أهل الدنيا من الأموال والزينة فيحتجبوا بذلك عن عمل الآخرة ورؤيتها، وقد ذكروا أن الناظر إلى الدنيا بعين الاستحسان من حيث الشهوة والنفس والهوى يسقط في ساعته عن مشاهدة أسرار الملكوت وأنوار الجبروت، وقوله سبحانه: * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله) * (التوبة: 59) الخ فيه إرشاد إلى آداب الصادقين والعارفين والمريدين، وعلامة الراضي النشاط بما استقبله من الله تعالى والتلذذ بالبلاء، فكل ما فعل المحبوب محبوب.
رؤى أعمى أقطع مطروح على التراب يحمد الله تعالى ويشكره، فقيل له في ذلك فقال: وعزته وجلاله لو قطعني إربا إربا ما اذددت له إلا حبا، ولله تعالى در من قال: أنا راض بالذي ترضونه * لكم المنة عفوا وانتقاما ثم إنه سبحانه قسم جوائز فضله على ثمانية أصناف من عباده فقال سبحانه: * (إنما الصدقات للفقراء) * الخ، والفقراء في قول المتجردون بقلوبهم وأبدانهم عن الكونين * (والمساكين) * هم الذين سكنوا إلى جمال الانس ونور القدس حاضرين في العبودية بنفوسهم غائبين في أنوار الربوبية بقلوبهم فمن رآهم ظنهم بلا قلوب ولم يدر أنها تسرح في رياض جمال المحبوب، وأنشد: مساكين أهل العشق ضاعت قلوبهم * فهم أنفس عاشوا بغير قلوب * (والعاملين) * هم أهل التمكين من العارفين وأهل الاستقامة من الموحدين الذين وقعوا في نور البقاء فأورثهم البسط والانبساط، فيأخذون منه سبحانه ويعطون له، وهم خزان خزائن جودة المنفقون على أوليائه، قلوبهم معلقة بالله سبحانه لا بغيره من العرش إلى الثرى * (والمؤلفة قلوبهم) * هم المريدون السالكون طريق محبته تعالى برقة قلوبهم وصفاء نياتهم وبذلوا مهجهم في سوق شوقه وهم عند الأقوياء ضعفاء الأحوال * (وفي الرقاب) *
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»