تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٠٩
غير مستلزم لكونه من القبح واستتباع اللائمة بحيث يصحح هذه المرتبة من المشافهة بالسوء ويسوغ إنشاء الاستقباح بكلمة بئسما المنبئة عن بلوغ القبح إلى رتبة يتعجب منها، واعتذر عنه صاحب الكشف حيث قال: أراد أن الأصل ذلك وأبدل بالعفو تعظيما لشأنه صلى الله عليه وسلم وتنبيها على لطف مكانه ولذلك قدم العفو على ذكر ما يوجب الجناية، وليس تفسيره هذا بناءا على أن العدول إلى عفا الله لا للتعظيم حتى يخطأ.
وأما المستعمل لمجرد التعظيم فهو إذا كان دعاء لا خبرا، على أن الدعاء قد يستعمل للتعريض بالاستقصاء كقوله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله تعالى أخي لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد " وتحقيقه أنه لا يخلو عن حقارة بشأن المخاطب أو الغائب حسب اختلاف الصيغة، وأما التعظيم أو التعريض فقد وقد انتهى، ولا يخفى ما فيه فهو اعتذار غير مقبول عند ذوي العقول، وكم لهذه السقطة في الكشاف نظائر، ولذلك امتنع من إقرائه بعض الأكابر كالإمام السبكي عليه الرحمة، وليت العلامة البيضاوي لم يتابعه في شيء من ذلك، هذا واستدل بالآية من زعم صدور الذنب منه عليه الصلاة والسلام، وذلك من وجهين:
الأول: أن العفو يستدعي سابقة الذنب. الثاني: أن الاستفهام الانكاري بقوله سبحانه: * (لم أذنت) * يدل على أن ذلك الاذن كان معصية، والمحققون على أنها خارجة مخرج العتاب كما علمت على ترك الأولى والأكمل قالوا: لا يخفى أنه لم يكن كما في خروجهم مصلحة للدين أو منفعة للمسلمين بل كان فيه فساد وخبال حسبما نطق به قوله تعالى: * (لو خرجوا) * الخ، وقد كرهه سبحانه وتعالى كما يفصح عنه قوله جل وعلا: * (ولكن كره الله انبعاثهم) * الآية، نعم كان الأولى تأخير الاذن حتى يظهر كذبهم ويفتضحوا على رؤوس الأشهاد، ولا يتمكنوا من التمتع بالعيش على الأمن والدعة ولا يتسنى لهم الابتهاج فيما بينهم بأنهم غروه صلى الله عليه وسلم وأرضوه بالأكاذيب على أنهم لم يهنأ لهم عيش ولا قرت لهم عين إذ لم يكونوا على أمن واطمئنان بل كانوا على خوف من ظهور أمرهم وقد كان.
ومن الناس من ضعف الاستدلال بالآية على ما ذكر بأنا لو نسلم أن * (عفا الله) * يستدعي سابقة الذنب والسند ما أشرنا إليه فيما مر سلمنا لكن لا تسلم أن قوله سبحانه: * (لم أذنت لهم) * مقول على سبيل الإنكار عليه عليه الصلاة والسلام لأنه لا يخلو إما أن يكون صدر منه صلى الله عليه وسلم ذنب في هذه الواقعة أو لم يصدر وعلى التقديرين يمتنع أن يكون ما ذكر إنكارا، أما على الأول فلأنه إذا لم يصدر عنه ذنب فكيف يتأتى الإنكار عليه، وأما على الثاني فلأن صدر الآية يدل على حصول العفو وبعد حصوله يستحيل توجه الإنكار فافهم.
واستدل بها جمع على أن له صلى الله عليه وسلم اجتهادا وأنه قد يناله منه أجر واحد والوجه فيه ظاهر، وما فعله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أحد أمرين فعلهما ولم يؤمر بفعلهما كما أخرج ابن جرير. وغيره عن عمرو بن ميمون، ثانيهما أخذه صلى الله عليه وسلم الفداء من الاسارى وقد تقدم. وادعى بعضهم الحصر في هذين الأمرين، واعترض بأنه غير صحيح فإن لهما ثالثا وهو المذكور في سورة التحريم وغير ذلك كالمذكور في سورة عبس، وأجيب بأنه يمكن تقييد الأمرين بما يتعلق بأمر الجهاد والله تعالى ولي الرشاد.
* (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر أن يج‍اهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين) *.
* (لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) * تنبيه على أنه ينبغي أن يستدل عليه الصلاة والسلام باستئذانهم على حالهم ولا يأذن لهم أي ليس من شأن المؤمنين وعادتهم أن يستأذنوك في * (أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) *
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»